الإمام الحسن بن علي الهادي بن محمد الجواد عليهم السلام الملقب بالعسكري، وهو الإمام الحادي عشر من سلسلة أئمة أهل البيت عليهم السلام، الذي أوصى جدهم رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ بهم خيرا بالسمع والطاعة: «.... أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي».
ولقب بالعسكري نسبة إلى العسكر في مدينة سامراء، كما لقب بالزكي. ولد في ربيع الثاني عام 232هـ في المدينة المنورة، ثم انتقل مع والده الإمام علي الهادي ـ عليهما السلام ـ إلى سامراء بعد أن استدعاه الخليفة المتوكل العباسي إليها ليجعله تحت إقامة جبرية هناك ويكون تحت أنظار السلطة.
واستمرت الرقابة المشددة على الإمام العسكري عليه السلام، خاصة أنه والد الإمام الثاني عشر وهو محمد بن الحسن المهدي المنتظر عجل الله فرجه الشريف، حتى كان يشير لأصحابه "ألا لا يسلِّمنّ عليَّ أحد، ولا يشير إليَّ بيده، ولا يومئ، فإنكم لا تأمنون على أنفسكم".
لكن الإمام ورغم من ذلك مارس مسؤولياته العلمية في حفظ الرسالة الإسلامية ونشر قيمها ومبادئها، والدفاع عنها والدعوة اليها. وأسس له تلاميذ ورواة يتلقون منه العلوم والمعارف.
مثلما قام الامام العسكري عليه السلام بدوره السياسي كقائد على مصالح الامة، ولجأ الى العمل السري في نقل الرسائل بينه وبين شيعته (كحشو الخشبة، والوعاء الجلدي للدهن)، وعلى إمداد وتدعيم قواعده ومواليه بكل مقومات الصمود والوعي فكان يمدّهم بالمال اللازم لحل مشاكلهم، ويتتبع أخبارهم وأحوالهم النفسية والاجتماعية، ويزودهم بالتوجيهات والإرشادات الضرورية مما أدّى إلى تماسكهم والتفافهم حول نهج أهل البيت ـ عليهم السلام ـ وإلتماسهم كافة الطرق للإتصال به رغم الرقابة الصارمة التي أحاطت به من قبل السلطة.
ويُروى أن محمد بن علي السمري كان يحمل الرسائل والأسئلة والأموال في جرّة السمن بصفته بائعاً ويدخل بها على الامام الحسن العسكري عليه السلام ليرجع بالأجوبة والتوجيهات.
وبذلك استطاع الامام الحسن العسكري عليه السلام أن يكسر الطوق العباسي من حوله ويوصل المفاهيم والمعارف الإسلامية إلى قواعده الشعبية لمواجهة الظلم والارهاب ولحفظ المصالح الاسلامية، وبنى جهازاً دقيقاً من الاتباع والوكلاء.
وكان زاهداً متعبداً، حتى انه عندما أُمر عليه بالسجن، أمضى وقته في الذكر والعبادة والتوجه الى الله تعالى ، لدرجة أنه أثر على سجانيه فصاروا من العبّاد الصالحين مما لفت نظر العباسيين!
عاصر الامام العسكري عليه السلام كلا من الخلفاء العباسيين : المعتز والمهتدي والمعتمد - والأخير معروف بلهوه ومجونه واقتراف المحرمات - وقد لاقى الامام وشيعته منهم التضييق والظلم والاعتقالات.
وكان من دوافعهم القضاء على مصدر خوفهم من ولده الإمام المنتظر ـ عجل الله فرجه الشريف ـ وإلى ذلك أشار الإمام العسكري عليه السلام في رسالة له : "زعموا أنهم يريدون قتلي ليقطعوا هذا النسل، وقد كذّب الله قولهم والحمد لله".
لكن الخليفة المعتمد العباسي أصر على طغيانه بدس السم الى الامام عليه السلام، مما أدى الى قتله، روحي له الفداء، وذلك عام 260 هـ ، عن عمر يناهز 28 عاما سلام الله عليه، وآجركم الله تعالى.
بقلم الباحث الكويتي / الدكتور عبد الهادي عبد الحميد الصالح