البث المباشر

الأدب العربي ومنابع الأصالة

الخميس 31 يناير 2019 - 20:58 بتوقيت طهران

الحلقة 194

مع الأدب العربي الحديث والمحاولات التغريبية الدائبة لإخراجه عن ذاتيته وصهره بالآداب الغربية الدخيلة، هذه المرة مع الأسطورة في الأدب، كانت الأساطير محاولة لتكثير احداث الحياة وظواهر الطبيعة في ضوء المعتقدات اليونانية والرومانية والسومرية والبابلية القديمة والاصرار على نسبة تلك الاحداث والظواهر الى تدخل الآلهة وإنصاف الآلهة في شؤون البشر، وقام بعضها على تصور احداث خرافية بين الآدميين من ناحية والجان والغيلان والعمالقة والاقزام وغيرهم من ناحية ثانية وهذا اللون من الأدب الاسطوري لم يكن معروفاً عند العرب الذين كانوا يصورون بالشعر قبل الاسلام مجتمعهم وعالمهم الحقيقي بما فيه من خير وشر فإذا لجئوا الى المبالغة لم تخرج مبالغتهم عن الحد المستطاع ولم تموه الواقع فلما جاء الاسلام استمد الأدب العربي من القرآن الكريم مفهوم الوضوح والصراحة والايجاز والنفاذ الى اعماق الأشياء دون كبير اهتمام بالتفاصيل.
الاسطورة مرتبطة بالوثنيات القديمة‌ وكان لدى الإغريق أساطير كثيرة تتحدث عن ماضيهم وكانت الأساطير عندهم اساساً ووسيلة لتفسير الحياة والطبيعة والخير والشر وهم يؤمنون ان هذه الامور تحركها آلهة ولم يكن هؤلاء الآلهة في اول الامر إلا ابطالاً غير انهم ما لبثوا ان اضافوا اليها من الخوارق حتى ألهوا هؤلاء الابطال وتدور اساطير الإغريق في اغلبها حول الحب والخمر ولا تصور إلا الجوانب الاباحية المنحلة، الحب الذي تصوره ملاحم الاغريق ومسرحياتهم هو الحب الجسدي العنيف المنتقم، الحب الذي تراق في سبيل ملذاته الدماء وتزهق الارواح وتشعل الحروب، الحب الذي يتجه الى القسوة‌ والاسر والاغتصاب، اما الحب الانساني الحب العفو الوفي، الحب الذي يبعث المرؤة والنجده الحب الذي عرفه الانسان اول مرة في ربوع نجدوا الحجاز فلم تعرفه اوربا إلا بعد اتصالها بالعرب، ولم يعبّر عنه الشعر الاوروبي والقصص الاوروبية إلا بعد ذلك الحين، وهذا وجه من اوجه الخلاف الكبيرة بين الاساطير والملاحم الاغريقية وبين نفسية الادب العربي واهله.
وتقوم الاساطير الاغريقية في الاغلب ومنها تنبع الملاحم والقصص على المآسي الفاجعة‌ فالمدن الاغريقية ترفع كل منها بطلها الخاص وتخلق منه الاهاً او نصف اله فأصبحت اعيادهم دينية محضة تحوطها القداسة الوثنية، واضحى الشعب ينظر الى اولئك الابطال من خلال تلبسهم بالآلهة الذين يهدونهم حيناً ويضلونهم حيناً آخر يحمونهم تارة ويدفعون بهم الى التهلكة تارة اخرى. من هنا تختلف المتولوجيا الاغريقية عن منابع الادب العربي والفكر الاسلامي وتتعارض مع عقائد ومفاهيم المجتمع المسلم، الآلهة الاغريقية تدفعها حيوية عارمة الى كل تصارفاتها حيوية لا تعرف العدل والحق والخلق والفهم لأنها حيوانية فانية شهوانية طائشة وقد وصفت اللهجة الغالبة على الملاحم الايلياذه والاوديسا بأنها لهجة صائحة معولة قاتمة متشائمة ندعو الحياة منها زخرفاً خلاباً خادعاً، حيث البطل له جبروت ورهبوت وليس هو بطلاً انسانياً، ولقد كانت تحاك حول الابطال هالة ضخمة تخفي تفاهة الأعمال التي يقوم بها، ومن ذلك ما حشده هو ميرود في الاوديسا من خرافات في اعمال اوديسيوس البطل في حرب تروادة.
اما الاساطير الشرقية فتختلف عن الغربية من وجوه، اهمها الترف والبذخ والبخور والقصور والنمارق والزخارف في حين تصور الاسطورة الغربية الفقر والظلام والخوف وعمق الشعور بالأنانية والوحشية والغموض، وتتسم قصص ألف ليلة بأنها اساطير ذات اصل فارسي قديم وعليها اضافات من الأساطير اليونانية والهندية والفرعونية القديمة، وانها لا تمثل الذاتية العربية ولا تتصل بها الا انها مكتوبة باللغة العربيه ومؤلف "ألف ليلة وليلة" مجهول وهي مجموعة من حكايات الرواة والقصاصين الذين تاثروا في العالم العربي في العصور المتأخرة، وهي تجمع صوراً متباينة من العفاريت والطلاسم وخاتم سليمان واعتماد الحياة على الحظ والمؤامرة، وهي حياة قوامها الشهوات والفجور والعطور والغناء والرقص انها قصص سلبية فيها صور إلانحلال والتواكل والقدرية وتعنى بتصوير حياة الجواري وصور اللذات واسراف القصور وهي تجري في تيار جامع بين خيانة المرأة و غدر الرجل.
حركة الغزو الثقافي والتغريب عمدت الى العمل بإذاعة هذه القصص واعادة طبعها ملونة ومزخرفة، وحاول كثير من الباحثين الغربيين اعتبارها مصدراً لرسم صورة المجتمع الاسلامي، كما اعتمدوا على كتاب الأغاني وكلاهما من المصادر الزائفة التي لا تمثل الواقع وليست من الأدب العربي الأصيل، وكانت الارساليات التبشرية في بيروت عام ۱۸۸۸ هي التي أولت الإهتمام بطبع كتاب ألف ليلة وليلة ونشره كما استغلت الصهيونية العالمية‌ إحياء مثل هذا الكتاب فألقى الدكتور ولفن سان استاذ اللغة العربية في الجامعة المصرية في الخامس عشر من مايو عام ۳۲، ألقى محاضرة عن القصص اليهودية في ألف ليلة فأشار الى انه في الكتاب بعض قصص يهودية، قال ومن اهمها السندباد البحري التي يعتقد ان موضعها مقتبس من التلمود وقصص السائح اليهودي، وقال من الثابت ان السفرتين الأولى والسابعة يهوديتا الأصل بلا نزاع واشار الدكتور أحمد ضيف الى غلبة القصص الاسرائيلية على كتاب ألف ليلة وبها ذكر سليمان وداود وبيت المقدس ويرى ايضاً ان قصص ألف ليلة هي ترجمة لكتاب (هزار افسانة) الفارسي مع اضافات اسرائيلية، وقال المستشرق البلجيكي شومان ان القسم الذي كتب في مصر من ألف ليلة انما كتبه جماعة من الاسرائيليين.
ولم يكف احياء كتاب ألف ليلة وليلة في الادب العربي واذاعته بل ان بعض الكتاب ذهب الى احياء قصصه فكتب توفيق الحكيم شهرزاد وكتب طه حسين احلام شهرزاد وقد نشرت هذه القصص كتجديد لأساطير ألف ليلة ولخلق هذا الفن في الأدب العربي. وقد كان لطه حسين دوره في احياء اساطير الوثنية الجاهلية والوثنية الاغريقية واضافتها الى‌ سيرة الرسول في كتابه على هامش السيرة الذي اعترف بأنه صاغه على نمط كتاب على هامش الكتب القديمة لكتاب فرنسي وانه قصد به احياء الاساطير، وقد وسع طه حسين على نفسه في كتاب احلام شهرزاد وابتكر قصصاً جديدة عن الملك طهمان ملك الجن وابنته فتنة واثار جواً من الوهم والخيال لم يعرفه الأدب العربي ولم يتفق مع ذاتيته ومزاجه النفسي في يوم من الايام.

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة