الحائِر الحسيني مصطلح يطلَق على البقعة الطاهرة التي تحتضن قبر الإمام الحسين بن علي (عليه السَّلام) وشيئاً من أطرافه في كربلاء1 ، و تُطلق نسبة الحائري على المنسوب إلى الحائر الحسيني والمجاور له.
ولقد تكرر ذِكرُ لفظة " حائر " و " حَير " في الروايات والأحاديث خاصة تلك التي تطرَّقت لزيارة الإمام الحسين ( عليه السَّلام ) ، أو تلك التي تحدثت عن أحكام التخيير بين التمام والقصر في الصلاة بالنسبة إلى المسافر الذي يكون في الحائر الحُسيني.
تاريخ التسمية بالحائر:
لعل تسمية قبر الإمام الحسين (عليه السَّلام) والبقعة المُحيطة به بالحائر أطلقت لأول مرة من قِبل الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السَّلام) ، حيث أن هذه التسمية نجدها في أحاديثه التي تطرقت لزيارة الحسين (عليه السَّلام) ، و لم نجد هذه التسمية في أحاديث غيره من الأئمة السابقين له ( عليهم السلام).
فعن الحسن بن عطية عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) أنه قال : " إذا دخلت الحير ـ و في بعض النسخ الحائر ـ فقل : ... " 2 .
وعن ثوير بن أبي فاختة عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) في وصف زيارته : " حتى تصير إلى باب الحائر أو الحير ... " 3 .
وعن أبي حمزة الثمالي عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) في وصف زيارة الحسين (عليه السَّلام) : " ثم ادخل الحير أو الحائر وقل : ... " 3 .
سبب التسمية بالحائر:
لعل السبب في تسمية الروضة الحسينية الشريفة بالحائر أو الحَير يعود لأكثر من سبب ، ولم يتَّضح لنا سبب إطلاق الإمام الصادق هذه التسمية على القبر الشريف وما أحاط به.
لكن يبدو أن هذه التسمية تجددت في وقت لاحق لسبب آخر ولحادثة تاريخية ، و قبل الإشارة إلى هذه الحادثة لا بد و أن نُشير إلى المعنى اللغوي للفظة " الحائر " وكذلك " الحَير " .
قال العلامة الطُريحي (رحمه الله) : الحائر و هو في الأصل مجمع الماء ، ويراد به حائر الحسين (عليه السَّلام) ، وهو ما حواه سور المشهد الحسيني على مشرفه السلام .
وقال (رحمه الله) أيضاً : والحَير بالفتح مُخفف حائر، وهو الحظيرة والموضع الذي يتحيَّرُ فيه الماء 4.
تجدد التسمية بالحائر:
يبدو أن تجدد تسمية هذه البقعة المباركة بالحائر يعود إلى حادثة تاريخية تجَلَّت فيها كرامة الإمام الحسين (عليه السَّلام) للصديق والعدو ، ومُلخَّصُ تلك الحادثة أن المتوكل العباسي 5 كان شديد الحقد و البغض بالنسبة إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السَّلام) بصورة خاصة ، والبيت العلوي بصورة عامة ، لذلك فقد عَمَدَ في محاولات متكررة 6 إلى هدم ضريح الحسين (عليه السَّلام) ونبش قبره الشريف وحرث تلك البقعة الطاهرة وإجراء الماء عليها في محاولة يائسة وجبانة منه لمحو معالم هذا القبر الشريف والحيلولة دون زيارة الموالين لأهل البيت (عليهم السلام) لقبر مولاهم الحسين (عليه السَّلام) ، خاصة لمَّا رأى أن تأثير قضية الحسين (عليه السَّلام) ونهضته المباركة اتَّسعت رقعته و إمتدَّ تأثيره حتى وصل إلى بلاط حكمه، فقد اكتشف أن عدداً من المُحيطين به يزورون قبر الحسين (عليه السَّلام) سراً رغم المنع الشديد والعقاب الأليم الذي كان يفرضه على من يزور هذا القبر الطاهر.
قال الحافظ جلال الدين السيوطي 7 : و في سنة ست و ثلاثين 8 أمر بهدْم قبر الحسين ، و هدْمِ ما حوله من الدور ، و أن يعمل مزارع ، و منع الناس من زيارته ، و خُرِّب ، و بقي صحراء .
وكان المتوكل معروفا بالتعصب ، فتألم المسلمون من ذلك ، و كتب أهل بغداد شَتمهُ على الحيطان و المساجد ، و هجاه الشعراء ، فمما قيل في ذلك :
بالله إن كانت أمية قد أتت *** قتل ابن بنت نبيها مظلوماً
فلقد أتاه بنو أبيه بمثله *** هذا لعمري قبره مهدوماً
أسفوا على أن لا يكونوا شاركوا *** في قتله ، فتتبّعوه رميماً 9
ظهور الكرامة الحسينية:
يقول إبراهيم الديزج 10 الذي أمره المتوكل بهدم قبر الحسين ( عليه السَّلام ):
بعثني المتوكل إلى كربلاء لتغيير قبر الحسين ( عليه السَّلام ) ، و كتب معي إلى جعفر بن محمد بن عمَّار القاضي : أعلمك أني قد بعثت إبراهيم الديزج إلى كربلاء لينبش قبر الحسين ، فإذا قرأت كتابي فقف على الأمر حتى تعرف فَعَلَ أو لم يفعل .
قال الديزج : فعرفني جعفر بن محمد بن عمَّار ما كتب به إليه ، ففعلت ما أمرني به جعفر بن محمد بن عمَّار ثم أتيته .
فقال لي : ما صنعت ؟
فقلت : قد فعلت ما أمرت به فلم أر شيئا و لم أجد شيئا .
فقال لي : أ فَلا عمقته ؟
قلت : قد فعلت فما رأيت .
فكتب إلى السلطان أن إبراهيم الديزج قد نبش فلم يجد شيئا ، و أمرته فمخره بالماء وكربه بالبقر .
قال أبو علي العماري 11 : فحدثني إبراهيم الديزج و سألته عن صورة الأمر فقال لي :
أتيت في خاصة غلماني فقط و إني نبشت فوجدت بارية جديدة و عليها بدن الحسين بن علي و وجدت منه رائحة المسك فتركت البارية على حالها و بدن الحسين على البارية و أمرت بطرح التراب عليه و أطلقت عليه الماء و أمرت بالبَقَر لتمخره 12 و تحرثه فلم تطأه البقر ، و كانت إذا جاءت إلى الموضع رجعت عنه ، فحلفت لغلماني بالله و بالأيمان المغلظة لئن ذكر أحد هذا لأقتلنه 13.
وهكذا لم يتحقق ما أراده المتوكل من محو معالم القبر الشريف بإجراء الماء عليه وتوقف الماء وأحاط بتلك البقعة المباركة دون أن يغمرها ، فسُميت تلك البقعة بالحائر ، أو الحائر الحُسيني .
وقال العلامة المُحقق الشيخ محمد صادق الكرباسي (حفظه الله) : ولعله لهذا السبب تجدد تسميته بالحائر لإرتفاع الماء حوله ، و إن كانت التسمية قد أطلقها الإمام الصادق (عليه السَّلام) ـ سنة ـ (148 هجرية) من قبل 14 .
وشاء الله عَزَّ وجَلَّ أن يبقى ذكرُ الحسين (عليه السَّلام) خالداً ونوره مُضيئاً رغم محاولات أعداء الدين الإسلامي ، فكان كما وعد الله جَلَّ جَلالُه و قال : ﴿ يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ﴾ 15 ، الأمر الذي يبدو واضحاً و جلياً للجميع في عصرنا الحاضر ، فهذه الملايين تتوافد اليوم بلهفة من أنحاء العالم لزيارة هذا المرقد الطاهر .
حدود الحائر الحسيني:
يبدو كما أسلفنا أن الحائر ـ كما قال العلامة الطُريحي ( رحمه الله ) ـ : هو في الأصل مجمع الماء ، و يراد به حائر الحسين ( عليه السَّلام ) ، و هو ما حواه سور المشهد الحسيني على مشرِّفه السلام .
كما يبدو من كلام العلامة الطُريحي ( رحمه الله ) أن سُوراً كان قد بُني في الموضع الذي تجمَّع عنده الماء ( الحائر ) ، و عليه فإن حدود ذلك السُور و الحائر متحدتان .
وَعَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ قَالَ سَمِعْتُهُ 16 يَقُولُ : " لِمَوْضِعِ قَبْرِ الْحُسَيْنِ ( عليه السلام ) حُرْمَةٌ مَعْلُومَةٌ مَنْ عَرَفَهَا وَ اسْتَجَارَ بِهَا أُجِيرَ " .
قُلْتُ : صِفْ لِي مَوْضِعَهَا .
قَالَ: " امْسَحْ مِنْ مَوْضِعِ قَبْرِهِ الْيَوْمَ خَمْسَةً وَ عِشْرِينَ ذِرَاعاً مِنْ قُدَّامِهِ ، وَ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ ذِرَاعاً عِنْدَ رَأْسِهِ ، وَ خَمْسَةً وَ عِشْرِينَ ذِرَاعاً مِنْ نَاحِيَةِ رِجْلَيْهِ ، وَ خَمْسَةً وَ عِشْرِينَ ذِرَاعاً مِنْ خَلْفِهِ ... " 17 .
هذا وقد توصَّل العلامة المُحقق الكرباسي ( حفظه الله ) بعد الجمع بين الروايات إلى أن ذلك السُور كان محيطاً بمرقد الإمام الحسين ( عليه السَّلام ) و الصحن 18 المُحيط بالمرقد الشريف .ويقول سماحته ( حفظه الله ) أيضاً : و بقي الحائر
على شكله حتى عهد الإمام موسى بن جعفر ( عليه السَّلام ) ( 148 – 183 هـ ) حيث وَرَدَ في رواية الحسن بن راشد عنه ( عليه السَّلام ) قال : " حتى يَرِد الحائر ، فإذا دخل باب الحائر وضع كفه ... " .
ثم قال: ويتبيَّن أن مساحة الحائر كانت حوالي ( 25 في 25 ذراعاً ) من الخارج ، كما يُفهم من روايتي الصادق ( عليه السَّلام ) بعد الجمع بينهما ، حيث وردَ في أحداهما : " قبر الحسين عشرون ذراعاً في عشرين ذراعاً مكسَّراً روضة من رياض الجنة " 19 ، و في ثانيهما قال : " إمسح من موضع قبره اليوم ، فامسح خمسة و عشرين ذراعاً مما يلي وجهه ، و خمسة و عشرين ذراعاً من خلفه ، و خمسة و عشرين ذراعاً من ناحية رأسه " 20 .
والظاهر أن الحائر الذي سُمي فيما بعد بالصحن كان قطر سوره الخارجي خمسين ذراعاً ، و إلى هذا يُشير ابن إدريس 21 في قوله : " و المراد بالحائر ما دار سور المشهد و المسجد عليه " 22 ، و يقول المفيد : " والحائر محيط بهم إلا العباس فإنه قتل على المسناة 23 " 24 .
ومن المعلوم أن الذراع الواحد يعادل 45.83 سنتيمتراً تقريباً ، و بذلك يكون قطر الحائر 45.83 في 50 = 22.915 متراً ... 25 .
*********************************************
1. كربلاء مدينة إسلامية مقدسة تقع مدينة كربلاء على بعد 105 كم إلى الجنوب الغربي من العاصمة العراقية بغداد ، على حافة الصحراء في غربي الفرات و على الجهة اليسرى لجدول الحسينية.
وتقع المدينة على خط طول 44 درجة و 40 دقيقة ، و على خط عرض 33 درجة و 31 دقيقة ، و يحدّها من الشمال محافظة الأنبار ، و من الجنوب محافظة النجف ، و من الشرق محافظة الحلة و قسم من محافظة بغداد ، ومن الغرب بادية الشام وأراضي المملكة العربية السعودية .
2. بحار الأنوار ( الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار ( عليهم السلام ) ) : 86 / 90 ، للعلامة الشيخ محمد باقر المجلسي ، المولود بإصفهان سنة : 1037 ، و المتوفى بها سنة : 1110 هجرية ، طبعة مؤسسة الوفاء ، بيروت / لبنان ، سنة : 1414 هجرية .
3. a. b. بحار الأنوار : 86 / 90 .
4. مجمع البحرين : 3 / 280 ، للعلامة فخر الدين بن محمد الطريحي ، المولود سنة : 979 هجرية بالنجف الأشرف / العراق ، و المتوفى سنة : 1087 هجرية بالرماحية ، و المدفون بالنجف الأشرف / العراق ، الطبعة الثانية سنة : 1365 شمسية ، مكتبة المرتضوي ، طهران / إيران .
5. المتوكل العباسي : هو جعفر بن محمد المعتصم ، و هو عاشر حُكام بني العباس ، وُلد سنة : 206 و قتله ابنه المنتصر سنة : 247 هجرية بمعاونة الأتراك .
6. عمدَ المتوكل إلى هدم قبر أبي عبد الله الحسين ( عليه السَّلام ) أربع مرات : المرة الأولى في سنة 232 ، و المرة الثانية في سنة : 236 ، و المرة الثالثة في سنة : 237 ، و المرة الرابعة في سنة : 247 هجرية ، لمزيد من التفصيل راجع: دائرة المعارف الحسينية : الجزء الأول من تاريخ المراقد : 269 – 277 ، لأية الله المُحقق الشيخ محمد صادق الكرباسي ( حفظه الله ) .
7. الحافظ جلال الدين بن أبي بكر السيوطي المتوفى سنة : 911 هجرية .
8. أي سنة 236 هجرية .
9. تاريخ الخلفاء : 347 ، للحافظ جلال الدين السيوطي ، تحقيق محمد مُحي الدين عبد الحميد ، طبعة منشورات الشريف الرضي .
10. إبراهيم الديزج : هو ابن سهل ، سكن سامراء و بغداد ، و كان من المقربين لدى العباسيين ، تولَّى قيادة الشرطة لأكثر من مرة ، كان حياً حتى سنة : 251 هجرية ، و الصحيح أنه توفى سنة : 247 هجرية ، أي بعد يومين من هلاك المتوكل ، و الديزج كلمة فارسية تعني الحمار الأدغم .
لمزيد من التفصيل يراجع : دائرة المعارف الحسينية : الجزء الأول من تاريخ المراقد : 273 الهامش .
11. قال العلامة المُحقق آية الله الكرباسي ( حفظه الله ) : و جاء في بعض المصادر القماري ن لم تتضح لنا شخصيته ، و لعله كنية القاضي جعفر بن محمد بن عمَّار المُتقدم الذكر ، و الله العالم . دائرة المعارف الحسينية : الجزء الأول من تاريخ المراقد : 273 ، الهامش .
12. قال العلامة المجلسي ( قدَّس الله نفسه الزَّكية ) : يُقال مخرت الأرض أي أرسلت فيه الماء ، و السفينة إذا جرت تشق الماء مع صوت .
13. بحار الأنوار : 45 / 395 ، نقلاً عن كتاب الأمالي للشيخ الطوسي .
14. دائرة المعارف الحسينية : تاريخ المراقد : 1 / 278 .
15. القران الكريم : سورة الصف ( 61 ) ، الآية : 8 ، الصفحة : 552 .
16. أي الإمام جعفر بن محمد الصادق ( عليه السَّلام ) سادس أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) .
17. الكافي : 4 / 588 ، للشيخ أبي جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكُليني ، المُلَقَّب بثقة الإسلام ، المتوفى سنة : 329 هجرية ، طبعة دار الكتب الإسلامية ، سنة : 1365 هجرية / شمسية ، طهران / إيران .
18. الصحن : هو المكان الرحب المحيط أو المتصل بالمرقد .
19. كامل الزيارات : 272 ، حديث : 5 .
20. كامل الزيارات : 272 ، حديث : 4 .
21. ابن إدريس : هو محمد بن منصور بن أحمد بن إدريس العجلي الحلِّي ( 543 – 598 هـ ) من أعلام الإمامية ، فقيه محقق ، توفي في الحلة و مرقده معروف يُزار ، و له كتاب السرائر ، و مختصر التبيان للطوسي .
22. السرائر : 78 .
23. المسناة ما يُبنى في وجه السيل .
24. الإرشاد : 126 .
25. لمزيد من التفصيل راجع : دائرة المعارف الحسينية : الجزء الأول من تاريخ المراقد : 260 – 261 .