"المباهلة" إحدى معاجز النبي الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله) تصديا لانحرافات وادعاءات نصارى نجران، وهي دليل في إثبات أحقية دين الإسلام التامة ورسالة النبي محمد (ص) وتقدمها على سائر الأديان السماوية.
ويقول سماحة الشيخ مكارم الشيرازي (مد ظله) في تفسير الأمثل، في بيان حقيقة واقعة المباهلة:
وفقا لما ورد في التاريخ، أرسل نصارى نجران وفدا من ستين شخصا إلى المدينة المنورة للحوار مع النبي (صلى الله عليه وآله). ومن جملة المسائل التي طُرحت في هذا الحوار هي أنهم سألوا نبي الإسلام (ص) عن الأشياء التي يدعوهم إليها، فقال لهم النبي (ص) أنا أدعوكم لعبادة الله الواحد الأحد، والإيمان بأن المسيح عبد من عباده، وكان بشرا، فلم يقبلوا هذا الكلام، وأشاروا إلى ولادة عيسى(ع) مستدلين بولادته من غير أب على ألوهيته، فنزلت آيات من سورة آل عمران المباركة: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (59) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (60) فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ (61)} ترد على ادعائهم هذا، وبما أنهم لم يقبلوا الجواب دعتهم إلى المباهلة.
ولهذا عرض النبي (ص) مسألة المباهلة على نصارى نجران، وحدد يوما لها، فقال الأسقف الأعظم – وهو أعلى سلطة دينية مسيحية – لمن معه: "استعدوا للمباهلة، وأتوا في اليوم المحدد، فإذا جاء محمد في يوم المباهلة مع أصحابه فسوف نباهله، وإذا جاء مع أهل بيته فلا نباهله؛ لأنه في الحالة الأولى يثبت عدم صدق ادعاءه النبوة، وسوف يُغلب، ولكن في الحالة الثانية يتضح أن لديه ارتباط بالله وقد حضر إلى المباهلة متوكلا عليه".
جاء اليوم الموعود، وشاهد النصارى نبي الإسلام (ص) وقد أخذ بيد الحسن والحسين ومعه علي وفاطمة عليهم السلام.
وحينما رأى الأسقف الأعظم هذا المشهد قال: "إني لأرى وجوها لو سألوا الله أن يزيل جبلا من مكانه لأزاله، فلا تبتهلوا فتهلكوا ولا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة"، وأمرهم القس بالامتناع عن المباهلة ومصالحة المسلمين ودفع ضريبة مقابل ذلك"، فوافق النبي (ص) على طلبهم، وغض النظر عن المباهلة.
أهمية واقعة المباهلة
1- صدق نبي الإسلام في رسالته:
مسألة المباهلة علامة واضحة على حقانية وصدق نبي الإسلام (ص) في ادعاءه الرسالة؛ لأنه لا يمكن لشخص ليس واثقا من علاقته مع الله ويجرؤ على الولوج في هذا المضمار ؛ ولا يوجد إنسان عاقل يُقدِم على مثل هذه المخاطرة دون أن يكون واثقا من نتائجها.
2- المباهلة نفيٌ ألوهية المسيح:
بعد إصرار وفد نصارى نجران على عقائدهم الباطلة ومنها الاعتقاد بإلوهية السيد المسيح (ع)، وعدم نفع المنطق والاستدلال معهم، صدر الأمر إلى النبي (ص) بسلوك طريق المباهلة، ليثبت صدق دعواه عن هذا الطريق الغيبي؛ يعني تباهل معهم لينكشف من هو الصادق من هو الكاذب.
3- المشاركون في المباهلة:
1- نبي الاسلام محمد (ص) ورئيس نصارى نجران.
2- أبنائنا وأبنائكم.
3- نسائنا ونسائكم.
4- أنفسنا وأنفسكم.
من هم "أبناءنا" و"نساءنا" و"أنفسنا"؟
المقصود من كلمة "أبنائنا" في الآية الشريفة هما الحسن والحسين (عليهما السلام)، والمقصود من كلمة "نسائنا" وهي جمعٌ فاطمة الزهراء (سلام الله عليها)، والمقصود من "أنفسنا" والتي هي جمعٌ أيضا، علي بن أبي طالب (عليه السلام).
ويضيف الشيخ مكارم الشيرازي: الظاهر أنه لا خلاف بيننا وبين إخواننا أبناء السنة في أن المقصود من "نسائنا" هي البنت الوحيدة للنبي الأكرم (ص) فقط يعني فاطمة الزهراء (س)، كما أن علماء الشيعة والسنة فسروا بالاتفاق "أبنائنا" في الحسن والحسين (ع)، وعليه فإن المحور الأصلي والمركزي للبحث يجب أن ينصب على تفسير "أنفسنا".
ومن هنا فإن آية المباهلة جعلت الإمام علي (ع) بمنزلة نفس وروح رسول الله (ص)، وفاطمة الزهراء وأبنيها الحسن والحسين (عليهم السلام) أقرب الناس إلى النبي (ص) وإلى الله تعالى، بحيث يكون دعاؤهم مستجابا ولا يُرد.
4- نسبة الكذب إلى النبي (ص) تستوجب لعن الله:
أن واقعة المباهلة تكشف النقاب عن بعضا من أهم نتائج الكذب على النبي الأكرم(ص)، هي نزول لعنة الله على الكاذبين، حيث قال الله سبحانه في ذيل آية المباهلة: "فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ".
5- إثبات الولاية على ضوء واقعة المباهلة
من البديهي أن آية المباهلة هي من الآيات المحكمة والصريحة والتي تدل على دلالة واضحة على ولاية أمير المؤمنين علي وأبناءه (عليهم السلام).
ويقينا المقصود من "أنفسنا" في آية المباهلة هو الإمام علي (ع). وحينما يخاطبه النبي (ص) بـ"نفسي" فهل المراد منه المعنى الحقيقي، او التنزيل المقامي؟.
لاشك أن المعنى الحقيقي ليس مقصودا؛ يعني "علي" ليس النبي! بل المقصود هو أن عليا (ع) مثل النبي (ص) في الفضائل والكمال وسائر الصفات. والنتيجة هي أن عليا (ع) في المنازل والكمال مُنزّلْ مَنزلة النبي (ص)، ويتلوه ويأتي بعده.
وبملاحظة هذا الأمر، إذا تقرر تنصيب خليفة النبي (ص) من قبل الله سبحانه، أو أرادت الأمة اختيار شخص لهذا المنصب، ألا يجب أن يكون هذا الشخص من قبيل النبي، أو على الأقل يأتي بعده مباشرة ؟
ألا يجب أن يكون الشخص الذي يختاره الناس، أو الذي ينصبه الله تعالى في مسألة الفضائل والكمال وخاصة التقوى والعصمة مثل نبي الإسلام (ص)؟
وعليه فإن انطباق كلمة "أنفسنا" على شخص الإمام علي (ع) يمكن أن يكون جسرا يوصل إلى الولاية والإمامة، فتثبت الولاية عن هذا الطريق.
6- واقعة المباهلة؛ تبلورٌ لمقام ومنزلة أهل البيت (ع) السامية:
يقول المفسر الكبير الشيخ مكارم الشيرازي : آية المباهلة تعتبر دليلا واضحا على مكانة ومنزلة أهل بيت النبي (ص)، وهم علي عليه السلام، وفاطمة عليها السلام، والحسنان عليهما السلام؛ لأنه ورد في الآية: "أنفسنا"، و"نسائنا"، و"أبنائنا"، ولا ريب أن المقصود من "أبنائنا" الإمام الحسن، والإمام الحسين ولا خلاف في هذا الأمر أبدا، و"نسائنا" لا ينطبق إلا على فاطمة الزهراء عليها السلام؛ وأما "أنفسنا" فيقينا ليس هو إشارة إلى النبي (ص)، فلا معنى لدعوة الإنسان نفسه؛ وعليه لا سبيل إلا أن نقول إن علي (ع) فقط هو المقصود من "أنفسنا".
7- نزول آية المباهلة في شأن أهل البيت (عليهم السلام) في كلام أهل السنة:
هناك أكثر من عشرين شخصية من كبار علماء ومفسري أهل السنة الكبار أكدوا على نزول آية "المباهلة" في حق أهل بيت النبي عليهم السلام وهم علي وفاطمة وابناهما(عليهم السلام)، منهم" الإمام الفخر الرازي في تفسيره المعروف (ج 8، ص 85)، والطبري المفسر الكبير (تاريخ الطبري، ج 3، ص 407)، والسيوطي في تفسيره "الدر المنثور" (ج 2، ص 39)، والواحدي في "أسباب النزول" (ص 68)، والبيضاوي في تفسيره الشهير(ج 2، ص 47).... وكذلك إمام الحنابلة أحمد بن حنبل في "المسند" ج 1، ص 185، ومسلم في "الصحيح"، ج 7، ص 120، والحاكم في كتابه "المستدرك" ج 3، ص 150، وابن حجر العسقلاني في "الإصابة" ج 2، ص 503، وغيرهم.
اللهم اجعلنا من المتمسكين بولاية أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام والسائرين على منهجه... الله آمين.