وفي هذا البحث نتحدث عن كيفية تناول بعض خطبائنا لذكر رسول الله ص في الآيات القرآنية.
وقد وجد أن الآيات التي ذكر فيها عليه وآله الصلاة والسلام توزعت على مائة وأربع سور فيما خلت ثماني سور من كتاب الله ﷻ من أي ذكر له تمامًا وهذه السور هي: نوح والمرسلات والشمس والعاديات والتكاثر والعصر وقريش والمسد، كما قال المفسرون.
وقد حاول بعض الخطباء أن ينسب منقبة قرآنية للنبي الأكرم ص فقال:
إن الله ﷻ لم يتطرق لنبينا باسمه المجرد [محمد] كما تحدث عن باقي الأنبياء بأسمائهم، وهذه الخصوصية لم تثبت لغير نبينا من بين الأنبياء، فكل نبي ذكره الله ﷻ باسمه وناداه.
قال ﷻ: (وقلنا يا آدم اسكن انت وزوجك الجنة) [البقرة 35]
(إذ قال الله يا عيسى ابن مريم) [المائدة 110]
(قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات) [نوح 48]
(وما تلك بيمينك يا موسى) [طه 17]
(يا موسى إنه أنا الله) [النمل 9]
(يا موسى لا تخف إني لا يخاف لديَّ المرسلون) [النمل 10]
(وناديناه أن يا إبراهيم) [الصافات 10]
(يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا) [الصافات 105]
(يا يحيى خذ الكتاب بقوة) [مريم 12]
(يا زكريا إنا نبشّرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا) [مريم 7]
(وأيوب إذ نادى ربّه) [الانبياء 83]
(واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أني مسني الشيطان بنصب وعذاب) [ص 41]
(وآتينا داود زبورا) [النساء 163]
(وكذلك مكنّا ليوسف في الارض) [يوسف 21]
(ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات) [غافر 34]
ولاحظنا مؤخرا أحد الخطباء يقول لمن في المجلس إن الله ﷻ لما تحدث عن نبينا ذكره باحترام وأقرنه بصفة النبوة أو الرسالة ولم يذكره باسمه كغيره.
قال عز وجل:
(يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك وبنات المؤمنين...) [الأحزاب 59]
(يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين...) [التوبة 73/ التحريم 9]
وصيغة {يا أيها النبي} ورد النداء بها في ثلاثة عشر موضعًا من القرآن؛ ويقول ﷻ مخاطبًا نبيه بصفته رسولاً في موضعين من سورة المائدة؛
(يا أيها الرسول بلّغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته والله يعصمك من الناس) [المائدة 67]
(يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر..) [المائدة 41]
لكن بعض الخطباء يعتبرها منقبة وكرامة ومنزلة للنبي محمد ص عند الله ﷻ أنه لم يذكره باسمه مباشرة كغيره..
بَيد أن القرآن خاطب النبي ص أحيانا بدون صفة النبوة والرسالة أصلا.
قال ﷻ:
(ألم نشرح لك صدرك)
(عفا الله عنك لِمَ أذنت لهم)
(إنّا أعطيناك الكوثر)
(إنك ميّت وإنهم ميتون)
وهكذا نجد أن الله ﷻ تحدث عن النبي ص باسمه المجرد في عدة آيات من القرآن فقال عز من قائل:
(محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم) [الفتح 29]
(وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم) [آل عمران 144]
(ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين) [الأحزاب 40]
(والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزّل على محمد) [محمد 2]
وتارة يذكره باسمه الآخر (ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد) [الصف 6]
وسبحان الله! لو كان نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم هو من كتب القرآن أو قسماً من سوره لكتب اسمه وكرره أكثر فأكثر مثلما نجد في سورة (الرحمن) تكرّرت الآية ذاتها 31 مرة، وهذا أحد الأدلة على أن نبينا محمداً لم يكتب حرفاً واحداً من القرآن، بل كل آية نزلت من عند الله، بلّغها مثلما نزل بها الوحي عليه حتى لو كان فيها عتاب أو تهديد له، فبلّغها كما هي. أنظر لقوله ﷻ:
(تنزيل من رب العالمين ولو تقوّل علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين) [الحاقة 43-46]
(يا أيها النبي لم تحرّم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك) [التحريم 1]
وهذا لا يمس منزلة النبي الأعظم الذي بلغ شأنه ما لم يصل إليه أي إنسان آخر حتى باقي الأنبياء والمرسلين.
وسنتناول لاحقاً بعض القصص التي يوردها بعض الخطباء وينسبها للنبي ص عن القرآن، بلا دليل.
بقلم: د. رعد هادي جبارة
الأمين العام للمجمع القرآني الدولي