البث المباشر

أشكال وكتابات المنسوجات الاسلامية

الأربعاء 23 يناير 2019 - 10:43 بتوقيت طهران

إذاعة طهران - لقاء في الهواء الطلق: الحلقة 2

السلام عليكم مستمعينا الكرام ورحمة الله وبركاته. انتشر نظام الطراز في صقلية وازدهرت صناعة‌ النسج فيها على يد الحكام المسلمين فيما بين القرن الثالث والخامس بعد الهجرة، وكانت منتجاتها تشبه الاقمشة ‌المنسوجة في مصر والشام والاندلس وقد ذكر المقريزي ان الاميرة عبده ابنة المعز لدين الله الفاطمي تركت فيما خلفته عدداً كبيراً جداً من قطع القماش الصقلية وفي هذا ما يشهد بكثرة ما كانت تنتجه المصانع الصقلية من الثياب، وظلت صناعة النسج بصقلية زاهرة في عصر النورمنديين وكان للقصر الملكي مصانعه الخاصة كما يتبين من اشارة ‌ابن جبير في حديث رحلته الى فتى من فتيان الطراز كان ممن يطرزون بالذهب في المصانع الملكية بجزيرة صقلية، لكن الملاحظ في الاقمشة المنسوجة بصقلية في العصر النورمندي ان موضوعاتها الزخرفية ذات صلة وثيقة بالاساليب الزخرفية البيزنطية وذلك بتأثير النساجين اليونانيين الذين اسرهم روجر الثاني في احدى الغارات البحرية في بحر الارخبيل سنة ٥٤۱ للهجرة والحقهم بمصانع النسج في القصر الملكي وامرهم ان يعلموا رعاياه اسرار صناعاتهم واتسع نطاق النسج في صقلية حتى اقبلت سفن البنادقة على الاتجار بمنتجاتها وتوزيعها في العالم المسيحي، بيد ان مؤرخي الفنون لا يطمئنون الى نسبة كثير من المنسوجات الاثرية المعروفة‌ الى ما جاء في بعض المصادر التاريخية من ان اميراً من صقلية تحدث عن اقمشة استولى عليها الصقليون في سفينة سنة ۹۷٥ للميلاد فقال عن هذه الاقمشة انها احسن نسج من الصقلية، كما ان اميراً مسلماً من بلرومو اهدى في النصف الثاني من القرن الخامس الهجري الى احد الامراء المسيحيين اقمشة اسبانية وليست صقلية وقد يستنبط من الروايتين ان الاقمشة الصقلية لم تكن بلغت حتى اواخر القرن الخامس الهجري ما بلغته بعد ذلك من الجمال والاتقان ولعل اشهر المنسوجات التي تنسب الى طراز بلرومو بصقلية عبارة‌ التتويج التي نسجت في عاصمة هذه الجزيرة سنة ٥۲۸ للهجرة اي في حكم روجر الثاني ملك صقلية وهي ارجوانية اللون من الحرير المطرز وفي وسطها رسم نخلة‌ تقسمها قسمين، كل منها يمثل ربع دائرة منسوج فيه بخيوط الذهب واللآلأ رسم اسد ينقض على جمل ليفترسه وفي العباءة كنارة منسوج فيها بالخيوط الذهبية كتابة عربية فيها ذكر من صنعت له وتاريخ الصنع. ومن المنسوجات التي يرجح انها من صناعة صقلية قطعة من الحرير محفوظة في احدى كنائس مدينة شينو بفرنسا وقوام زخرفتها صفوف من نمور متقابلة ومقيدة بسلاسل تربطها وهي بيضاء وصفراء وخضراء على ارضية زرقاء قاتمة ‌ويفصل كل نمرين خط ينتهي في اعلاه بزخرفة كآنية الازهار ويتدلى من جانبيه في اسفله زهرتان وهناك رسم طائر يتأهب ليحط على ظهر كل من النمور المرسومة ورسم حيوان صغير بين ارجل كل واحد منها، وفي كاتدرائية ردسون قطعتان من الحرير يقال انهما هدية للامبراطور هنري السادس الذي ورث املاك النورمنديين في ايطاليا وعلى احدى هاتين القطعتين كتابة يفهم منها انها نسجت لوليام الثاني ملك صقلية على يد صانع اسمه عبد العزيز وعليها كتابة فيها ادعية وتمنيات وهذه القطعة مثال تتجلى فيه مميزات الاقمشة الصقلية من حيوانات وطيور ووريدات ودوائر وجامات بها رسوم هندسية على نحو لاتكاد تراه الا في صناعة النسج عند المسلمين في الاندلس، والواقع انه يصعب في بعض الحالات تمييز المنسوجات المصنوعة في احد هذين الاقليمين من المصنوعة في الاقليم الاخر، ومن المنسوجات الصقلية المعروفة قطعة من ثوب حريري لونه وردي وذهبي وقوام الزخرفة فيها صفوف رأسية من غزلان وببغاوات متواجهة تفصلها اشجار محورة عن الطبيعة وهي محفوظة الان في المتحف البريطاني. وفي متحف فيكتوريا والبرت في لندن قطعة من نسيج يرجح انها من صنع جزيرة صقلية في القرن السادس او السابع بعد الهجرة وعماد زخرفتها رسوم طواويس متواجهة تفصلها خطوط تنتهي في اعلاها برسوم نباتية وفي اسفلها برسوم غزلان صغيرة متواجهة وفوق كل مجموعة من هذه الرسوم شريط من الكتابة الكوفية نصها عبارة «البركة الكاملة» في وضع زخرفي متقابل بحيث تتكرر العبارة صحيحة من اليمين الى اليسار ومقلوبة من اليسار الى اليمين وفي متحف الآثار ببروكسل قطعة من نسيج عليها رسوم طيور متقابلة ترى على اجنحتها عبارات «البركة لصاحبها» ويفصل كل زوجين متقابلين منها قرص مكون من ثلاث دوائر متحدة المركز وتحت القرص زخرفة من فروع نباتية محورة عن الطبيعة وقد ذهب بعض مؤرخي الفنون الى نسبتها الى العصر الفاطمي في مصر بيد ان اخرهم يرجحون نسبتها الى صقلية لان رسوم الطيور فيها اقرب الى رسوم الطيور في المنسوجات الصقلية.


ومن تجليات الفن الاسلامي الموروث ايها الاخوة ما شهده فن النسج في مصر خلال العصر الايوبي والعصر المملوكي اذ اضمحل نسج الكتان وزادت العناية ‌بنسج الحرير وتطريزه وبتزيين المنسوجات بالزخارف المطبوعة ومن المنسوجات المصرية المصنوعة من الكتان في القرن السابع الهجري قطعة محفوظة في متحف الفن الاسلامي بالقاهرة ويبدو في زخرفتها ما امتاز به هذا العصر من استعمال خط النسخ في كتابة العبارات الدعائية نحو «العز الدائم والاقبال» وعبارة «سعادة مؤبدة ونعمة مخلدة» هذا الى جوار العناية بالزخارف النباتية والاشكال الهندسية من مثلثات ودوائر ومعينات، ورسوم القطعة المذكورة مطرزة بالحرير الاسود والازرق ولكن ابدع ما عرف من المنسوجات الايوبية والمملوكية في مصر والشام منسوج من الحرير ذو زخارف متنوعة يشبه بعضها الزخارف التي على التحف الزخرفية والمعدنية في العصر نفسه، من هذه المنسوجات قطعة من الحرير الاصفر محفوظة في متحف الفن الاسلامي في القاهرة، قوام زخرفتها اشرطة متعرجة تضم بينها جامات او مناطق بيضية الشكل فيها رسوم ازواج من طيور بعضها عقبان رؤوسها متقابلة لكن ابدانها متدابرة ويبدو التأثر بالاساليب السلجوقية في الزخارف النباتية التي تفصل الطيور وفي الطابع الزخرفي في رسوم الطيور نفسها ولذا كان من المحتمل ان تكون هذه القطعة من صناعة الشام في القرن السابع الهجري، ومن المنسوجات المملوكية قطعة من الحرير محفوظة ايضاً في متحف القاهرة وزخرفتها شريطان من الكتابة النسخية المملوكية تتكرر فيها عبارة «عز لمولانا السلطان الملك الناصر» ولعله السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون المتوفى سنة ۷٤۱ وبين هذين الشريطين شريط ثالث فيه رسوم شجيرات مورقة يفصل كل شجيرة منها عن الاخرى رسم فهد يطارد غزالاً، وفي احدى كنائس مدينة دانزج قطعة من الديباج المذهب والمتعدد الالوان، ازرق واخضر ووردي وبني وقوام زخرفتها اشرطة من الرسوم النباتية تتخلها اشرطة تتكرر فيها كلمتان بخط النسخ المملوكي هما «السلطان العالم»، ومن المنسوجات الوثيقة الصلة بعصر المماليك قطع من الحرير عليها زخارف صينية الطراز وعلى بعضها اسم السلطان المملوكي الناصر محمد بن قلاوون وهي محفوظة في متحف الفن الاسلامي بالقاهرة، ومن صناعة القرن الثامن بعد الهجرة على بعض هذه القطع حروف مكتوبة بالخط الكوفي المربع. الواقع ان نسج الحرير في العصر المملوكي قد تأثر الى حد بعيد بمنتجات منطقة الشرق الاقصى التي ادخلها المغول في العصر الاسلامي وقد وجدت بعض هذه القطع في مصر كما ان بعضها محفوظ الى الان في عدد من الكنائس في البلدان الاوربية، ويصعب الجزم بأنها كانت من نسج عمال مصريين بل الارجح انها من نسج منطقة آسيا الوسطى او شرق ايران في عصر المغول وفي هذا السياق من المناسب ان نتذكر ما اوردته المصارد التاريخية من البعثات التي بودلت بين المغول والمماليك لتحمل ما خف حمله وغلا ثمنه من المنسوجات النفيسة، اما المنسوجات ذات الزخارف المطبوعة فقد ازدهرت صناعتها في عصر المماليك وابدع المعروف منها يعود الى القرنين السابع والثامن بعد الهجرة اما زخارفها فقوامها معينات تشتمل على وريدات وفروع نباتية باللون الازرق او الاحمر او البني. ايها الاخوة هذه نهاية برنامجنا لقاء في الهواء الطلق نتمنى لكم اطيب الاوقات واسعدها ودمتم بألف خير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة