وعندما نريد أن ندرس هذه المفردات التفصيليّة بالنِّسبة إلى المرأة، فعلينا أن ندرس كلّ مفردة من خلال القاعدة الَّتي ترتبط بها؛ عندما نطرح مثلاً شهادة المرأة مقارنة بالرجل، فإنَّ النصَّ الإسلاميَّ يفلسف المسألة بقوله تعالى: {أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى} [البقرة: 282].
فنحن نلاحظ هنا أنّه يفرض إمكانيَّة أنْ تخضع المرأة لعاطفتها أو تنسى، باعتبار أنَّ الجانب العاطفيّ لدى المرأة أقوى من الجانب العاطفيّ لدى الرَّجل، من خلال حاجة الأُمومة والأنوثة في حركتها الإنسانيَّة إلى هذا الكمّ الكبير من العاطفة، أو إلى هذا الفيض العاطفي القويّ.
لذلك، فإنَّنا نلاحظ أنَّ شهادة امرأتين مقابل شهادة رجل، كانت باعتبار أنَّ المرأة قد تضلّ، سواء أنّها تنسى، تنحرف، تخطِئ، تقودها عاطفتها {فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى}، فتأتي امرأة لتذكّرها. فالمسألة لا تمثِّل انتقاصاً من كرامة المرأة وإنسانيّتها، وإنَّما تمثِّل احتياطاً للعدالة.
والظاهرة العامّة ـــ كما قلنا ـــ أنَّ كميَّة العاطفة لدى المرأة هي أكبر من كميَّة العاطفة لدى الرجل، ما يقتضي أن يكون الاحتياط هنا أكبر... [مع الإشارة إلى أنّه] قد تُقبَل شهادة امرأة واحدة في بعض القضايا التي تختصّ بالنّساء مثلاً.
فالمسألة تخضع لمفرداتها الّتي تجمعها فكرة واحدة، وهي الاحتياط للعدالة، والتحرُّك لها في ما تقتضيه من خلال الظّروف الواقعيّة الّتي تحيط بحركة العدالة هنا وهناك.
فالقضيَّة ليست انتقاصاً لشخصيّة المرأة. وربَّما كان هذا الجانب العاطفيّ من شخصيّة المرأة، هو الَّذي يجعل الفقهاء يتحفَّظون عن أن تكون المرأة قاضية. إنَّ المسألة تتَّصل بهذا الجانب، لا بجانب انتقاص شخصيَّتها وإنسانيَّتها، ولكن من جهة الاحتياط للعدالة، باعتبار أنَّ علينا أن نحمي العدالة من نقاط ضعفنا، لأنَّ القضيَّة تتَّصل بالآخر ولا تتَّصل بنا في الذّات.
* من كتاب "حوارات في الفكر".
العلامة محمد حسين فضل الله