وعمد فيها الفنان إلى بناء الأشكال بعناية ودقة عبر استقراء أوصاف الشخصية الكريمة للمولى أبي الفضل العباس عليه السلام والممثلة لمركز سيادة اللوحة، وقد صوره الرسام وهو يخترق صفوف جيش ابن زياد بكف قطيعة ويحمل الراية بيده الأخرى والقربة معلقة في عنقه في محاولة فنية لمطابقة مضمون روايات الواقعة، فرسوم الطف تعد رسوما روحية فكرية قبل أن تكون رسوما شكلية مادية تنساب خطوط رسومها بتوهجات لونية تميز المقدس عن المدنس من الأشكال .
هذه اللوحة تحاكي وجدان وضمائر أحرار العالم ممن نادوا بحب أهل بيت النبوة سلام الله عليهم وقد نفذها روح الأمين بعناية تامة، وكان ذلك بأسلوب الفن الجداري، معتمدا في طرح فكرة العمل للمتلقي على مخيلته الواسعة وذاته الغارقة بتأثره بيوم عاشوراء ومشاهده المفجعة، حيث عمد الرسام على إشغال مساحة السطح التصويري بأشكال وكتل لونية قوامها أشكال بشرية وأخرى حيوانية.
وقد صيغت الآشكال وفق مشهد معبر من واقعة الطف ولحظة التفاف الباطل حول الحق في محاولة لمنع المولى آبي الفضل من ؛يصال الماء ؛لى الخيام، وقد آتى الفنان بأشكال اللوحة وعناصرها موزعة بعملية تنظيمية احتفظت بصيغها الزمكانية تطابقا مع السرد الروائي لحقائق واقعة الطف ويوم عاشوراء، حيث سعى حسن روح الأمين إلى التمثيل الدرامي للحاثة المراد تصويرها وفق بناء جمالي خاص حاول من خلاله الإلمام بفكرة العمل المبتغى عرضها أمام المشاهد وفقاً لمرجعياتها التاريخية المدونة والمروية، معتمداً في ذلك على المنهج الواقعي في الطرح، ومتخذاً من المضمون في نفس الوقت أساسا لبناء أشكاله وتعابيرها، ويمكن استطلاع جماليات العمل من تتبع آلية الإنشاء المكاني والزماني والعلاقات الترابطية فيما بينهما كما هو معتاد لدى الفنان في باقي أعماله الفنية الأخرى.
ويلمس المتتبع لمفاصل اللوحة أعلاه أن الفنان قد التزم نوعا من التمازج الموجه بين الواقع والخيال، ويبدو أنه فعل أدائي مزدوج أتى به روح الأمين كاستجابة معرفية ووجدانية لتأثره بحب آل بيت النبوة عليهم السلام وعظمة ما جرى عليهم من مظلومية في طفوف كربلاء، ممثلا ذلك باستلهام التعبير الديني للكشف عن بناه الفنية ضمن مستوى معرفي مكتسب وإظهار سلطة العقل التي فرضته طبيعة رؤاه التخيلية وما نتج عنها من صور وأشكال واقعية وأحاسيس إذ نلمس وجود تدخل عقلي في صميم اللوحة متمثل بالوعي في إدارة تشكيل وتصميم عناصرها وشخوصها، كاشفاً بذلك عن عالم مستقل فيه تأمل لذات الرسام والاستغراق في التمعن في الخيال الكامن في نفسه وثقافته الممتزجة بالواقع المتمثل بهذا الحدث المأساوي التاريخي، مما أعطى للأشكال صفة تعبيرية متصلة بالرماح والنبال والسيوف والخناجر التي يحملها الظالمون والتي ترتبط بجوهر الموضوع في معركة الطف ومقتل الحسين وأخيه أبي الفضل العباس عليهما السلام ومن معهما.
فتكوين اللوحة برمته مجسد من خلال حركة الألوان والاعتماد على قدرة الانطباع في توليد شكل جمالي منفرد لشخص أبي الفضل عليه السلام، فضلا عن تكوين حركات تنسجم وحركة الظل والضوء وما تتركه من أثر في تغيير مظاهر الأشياء وحيويتها، إضافة إلى معالجة الفنان الدقيقة للأشكال ومحاولته من خلال مجموعة من الإيقاعات والنقلات المفاجئة باللون كحركة وإيماءات الأشخاص وحركة الأسلحة والنبال، ومما زاد من تأثيرات الإيقاعات البصرية هي زاوية النظر واتجاه رسم اللوحة بمنظور الفنان والأشكال وحركة الأضواء التي أعطت عمقا للوحة وخلقت تأثيرات مختلفة من الظلال والاضواء.
التمس حسن روح الأمين ألوان وشخوص اللوحة وأجوائها بحرفية عالية، حيث شرع باستخدام اللون الأبيض والأخضر والبني وبعض الأصفر لتميز مركز السيادة المتمثل بشخصية أبي الفضل العباس عليه السلام في وسط اللوحة تطابقاً للمرجعية التاريخية ومرويات الواقعة بغية تحقيق الوحدة في بناء الأشكال والتي خضعت طبقا للانفعال العاطفي والوجداني العقائدي لدى المتلقي وعند الفنان ايضاً، مؤكدا ذلك بمحاولاته الجادة والواضحة لإبراز ألوان وجوه الأعداء ونظراتها الإجرامية الحاقدة لاستقراء جوهرها عبر استخدامه للضوء والظل في تشكيلها وإظهار عدتها الحربية وأزيائها، إضافة الى ابتعاده عن تصوير ملامح مركز السيادة ليكتفي بصراحته اللونية التي ميزت بملابس أبي الفضل العباس سلام الله البيضاء اللون ووشاحه الأخضر، وهو استقراء للمشاهد لتمييز الصراع الأزلي بين الخير والشر والفصل بين المقدس والمدنس.
المصدر: العتبة الحسينية المقدسة