البث المباشر

قراءة سريعة لأحداث أفغانستان

الإثنين 16 أغسطس 2021 - 20:18 بتوقيت طهران
قراءة سريعة لأحداث أفغانستان

منذ عشرين سنة وأفغانستان ترزح تحت احتلال غاشم جثم على صدر هذا البلد عقدين من الزمان سلبه خلالها كل شيء سواء قدراته الاقتصادية أوالسياسية أو البنى التحتية من صحة وتربية وتعليم وخدمات، وتحولت البلاد الى ميدان حرب خلال هذه السنين العجاف.

 

بذريعة مكافحة الإرهاب غزت الولايات المتحدة الأمريكية أفغانستان في 7 أكتوبر/ تشرين أول 2001 حيث اتخذت من حادث 11 سبتمبر/ ايلول 2001 مبرراً لتحرق هذا البلد من شماله الى جنوبة ولم تترك شبرا من أراضيه إلا ودنستها بأقدام جنودها المحتلين.

آنذاك رسمت واشنطن خارطة وردية لأفغانستان جديدة، وقطعت على نفسها الوعود للشعب الأفغاني ببناء جيش قوي مسلح بأحدث الأسلحة الأمريكية، وقوى أمن داخلي على أعلى المستويات، وبنى تحتية بأحدث التقنيات، ومعالجة مثالية للوضع الاقتصادي البائس، وحل مشاكل البلاد مع الجوار، واستقرار أمني، وترسيخ دعائم الديمقراطية من خلال وضع اسس رصينة لبناء نظام سياسي قوي في كابل.

وبعد عقدين من الاحتلال، لم يتحقق من تلك الوعود غير الدمار والقتل اليومي والجوع والفقر والتخلف على كل المستويات.

وفوجئ العالم بالقرار الأمريكي بالانسحاب من أفغانستان الذي كان نتيجة لسلسلة من المفاوضات مع من كانت تسميهم واشنطن الإرهابيين وحاربتهم عشرين سنة، مفاوضات مباشرة مع حركة طالبان دون أن يسمح لحكومة كابل ان تشارك فيها وتطلع على تفاصيل ما يجري خلالها، بل كانت تستقي المعلومات من وسائل الإعلام حالها حال المواطن العادي، تلك المفاوضات التي توصل فيها الطرفان (الامريكي وطالبان) الى اتفاق على انسحاب كامل للقوات الأمريكية من أفغانستان وتسليم حركة طالبان زمام الأمور في هذا البلد.

وبذلك أدارت الولايات المتحدة الأمريكية ظهرها لحلفائها وأصدقائها في الحكومة الأفغانية الذين ساعدوها على احتلال بلدهم، بل وألقت الحبل على الغارب لتعطي الضوء الأخضر لمسلحي طالبان بالسيطرة على الولايات الأفغانية الواحدة تلو الأخرى حتى دخلو أمس الى العاصمة كابل.

كل هذا كان يجري وواشنطن تبعث بالتطمينات لأصدقائها في الحكومة الأفغانية وبأساليب متعددة "بأن الخطر ما زال بعيدا" لتوهم الرأي العام بأن حركة طالبان غير قادرة على إسقاط الحكم في كابل.

وخلال الأحداث الأخيرة الماضية.. كثيرا ما أكد وزيرا الخارجية أنتوني بلينكن والدفاع لويد أوستن الأمريكيان للرئيس الأفغاني أشرف غني بأن واشنطن تدعم الحكومة الأفغانية. في الوقت الذي لم تجر أي تنسيق مع السلطات الأفغانية بشأن الانسحاب، ولا آليته، بل كان انسحابا سريعا ومباغتا ترك فراغا أمنيا كبيرا.

ولم تف الولايات المتحدة الامريكية بتعهداتها للـ"الأصدقاء" الأفغان بل ذهبت جميع الوعود أدراج الرياح وسيطرت حركة طالبان على جميع الولايات الافغانية بما في ذلك العاصمة كابل خلال ايام ودون أي مقاومة تذكر، وكان دخول مسلحو طالبان الى أغلب المدن بما فيها العاصمة كابل دخول السائح في نزهة سريعة.

ما جرى في أفغانستان خلال الايام الماضية كشف للعالم جزءاً من أسرار الاحتلال الامريكي لأفغانستان منها أن الحكومات الأفغانية المتعاقبة خلال فترة الاحتلال لم تستطع بناء جيش قادر أن يصمد دقائق أمام حركة ليس لديها إلا الأسلحة الخفيفة، فأين ذهبت تلك المليارات من الدولارات التي أنفقت من اموال الشعب الأفغاني في بناء الجيش وما هي آثار تدريب الخبراء العسكريين لهذا الجيش، الذي تبخر خلال أيام معدودة؟

كذلك برهنت الولايات المتحدة الامريكية مرة اخرى أن لا وعود ولا تعهدات ولا أخلاق لديها، فكل هذه المصطلحات تتخلى عنها في أي لحظة تشاء، وإنَّ ما جرى في أفغانستان ممكن أن يجري في أي مكان تتواجد فيه القوات الأمريكية.

الذي حصل في أفغانستان هو بمثابة دروس بليغة للشعوب وقادتها، خلاصتها أن من يعول على وعود الولايات المتحدة الأمريكية وتعهداتها فهو مخطئ وعليه مراجعة حساباته قبل فوات الأوان.

 

بقلم / جابر كرعاوي

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة