البث المباشر

إنعدام المحبة بين البناء والآباء

الإثنين 18 نوفمبر 2019 - 13:46 بتوقيت طهران

إذاعة طهران- من الواقع: الحلقة 60

خبراء البرنامج: السيد حسن الكشميري الباحث الإسلامي من مدينة قم المقدسة والدكتور هاشم الحسيني الباحث الإجتماعي من بيروت
مستمعينا الكرام طابت اوقاتكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته أهلاً بكم في برنامج من الواقع والذي نقدمه لكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران
موضوع حلقتنا لهذا اليوم سيكون عن إنعدام المحبة بين الأبناء والآباء والذي ينشأ عادة بسبب إهمال الأبوين وعدم إهتمامهما بالأولاد بالشكل الذي يوطّد العلاقة بينهما ويجعلها قوية لذلك فلا نستبعد أن ينجم عن ضعف العلاقة هذه الذي ربما تصل الى مستوى إنعدام الود او التباعد الشديد خاصة بين الولد وأبيه او الفتاة وأمها مشاكل خطيرة تؤثر على مستقبل الأسرة وعمق تماسكها. أعزائي المستمعين وكما عوّدناكم في كل حلقة من حلقات البرنامج سوف نستضيف اليوم ضيفين من ضيوفنا الأفاضل وهما السيد حسن الكشميري الباحث الإسلامي من مدينة قم المقدسة والدكتور هاشم الحسيني الباحث الإجتماعي من بيروت لأجل توضيح أسباب هذه الحالة ومناقشة سبل معالجتها. فكونوا معنا
أبو ياسر وأم ياسر أبوان لثلاثة أولاد وبنتين يعيشون في بيت صغير ومتواضع، طبعاً يعود ذلك الى سوء أحوال أبو ياسر المادية بسبب عمله البسيط الذي يُزاوله لذلك كان يولد هذا الأمر بعض التوترات والتشنّجات بين أفراد الأسرة فالأولاد في المدرسة وهذا يعني أنهم بحاجة الى نفقات تؤمّن لهم الإستمرار في الدراسة كذلك في البيت هم بحاجة ايضاً الى لقمة العيش ووسائل الراحة بمعنى أن هذه الأمور لم تكن متوفرة في بيت أبي ياسر بشكل كافي لهذا كان الأبناء الثلاثة غالباً ما يلجؤون الى قضاء معظم أوقاتهم خارج البيت، ما شجّعهم على ذلك أنهم لم يجدوا مَن يمنعهم او يردعهم أمّا البنتان فقد كانتا مُجبرتين على عدم الخروج بل الإنشغال ببعض الأعمال التي توفران من وراءها بعض المردودات المادية.
أحبتي المستمعين بالمقابل لم يُحاول الأبوان أبو ياسر وأم ياسر الإبداء ببعض الإهتمام او الرعاية بالأولاد فلم نجد الأب مثلاً يسأل من أبناءه الخمسة عن احوالهم الدراسية او مايتعلق بمتطلباتهم او إحتياجاتهم الأخرى ولم يكن يُبدي بعض الحنان الأبوي تجاه أولاده ليُخفف عنهم حرمانهم كذلك الأم كانت تُفضّل أن تزور بيت أختها او أحد أقاربها لقضاء بعض الوقت عندهم ومن ثم تعود عند المساء حينها تكون بنتاها نائمتين.
أحبتي في يوم تأخر الأب عن العودة الى البيت فسألت الأم بنتيها: قالت الصغرى ليس لي علم ياأمي فقد كنت منشغلة بقراءة دروسي ولم أنتبه إن كان أبي عاد من عمله أم لا.
وقالت الكبرى: أنا ايضاً كنت أخيط بعض الملابس ولاادري إن كان عاد ام لا، لكنني لا أظن أنه عاد من عمله.
إحتارت الأم كثيراً وإنتابها قلق شديد وقالت: ما العمل؟ فأنا منذ ما يُقارب الساعة والنصف أتصل به لكنه لم يُجبني أبداً، فأين عساه يكون؟ لماذا لم يرد على إتصالاتي؟
قالت البيت الكبرى: لمذا لاتتصلي باخي ياسر فربما يعلم أين هو؟ وفعلاً إتصلت الأم بإبنها ياسر، ألو ماما ياسر كيف حالك؟
أجابها إبنها: ألو ماما تفضلي ماذا تريدين؟
قالت له والقلق واضح عليها: ألا تعلم أين أبوك فقد إتصلت به مراراً ولم يُجبني؟
إعتذر ياسر وقال: ليس لي علم بذلك أرجوك فأنا منشغل الآن حاولي أن تتصلي في وقت آخر او أقترح عليك أن تتصلي بأخي مهند فسوف يُساعدك في العثور عليه. وهنا كانت الأم مُجبرة على الإتصال بالإبن الأصغر مهند ولكن ما قاله ياسر قاله ايضاً مهند: أرجوك ياأمي أنا منشغل ولاأدري عماذا تتكلمين.
تعجبت الأم من عدم إكتراث الأولاد بأبيهم فصرخت منزعجة وصرخت بأعلى صوتها: أليس من المفروض عليكم ترك أعمالكم الآن والإهتمام بالبحث عن أبيكم؟ أين حرصكم على أبيكم وأين حبكم له؟
تعجبت البنتان من كلام أمهما فهو كلام غريب عليهما، كلمة الحب والحرص ما كانت ترد في حياتهم اليومية إلا نادراً لذلك أحستها بشيء جديد تجاه أبيهما، شيء لم تألفاه أبداً من قبل.
نظرت الصغرى الى الكبرى وقالت: هل فعلاً أبونا في خطر؟ هل يمكن أن يكون قد تعرّض لحادث ما لاسمح الله؟ اذن كيف يمكن أن نُنقذه اذا تعرّض لشيء خطير؟
إنتاب الكبرى شيء من القلق لم تشعر به سابقاً.
نظرت الى امها وقالت لها: بماذا يمكن أن نساعدك ياأمي؟
بكت الأم وقالت: تساعدينني؟ هل هذا ما فكّرت به فقط؟ أهو أبي أم أبوك؟ تقولين لي شيئاً وكأنه رجل غريب عنكما، ما هذا الذي أسمعه منك؟
ردت عليها إبنتها: ولكن ياأمي نحن ما تعوّدنا أن نسأل عن أحوال بعضنا البعض فأنا وأختي نعمل ليل نهار لكي نوفر لكلينا بعض النقود، لم تسألي يوماً عن طبيعة عملنا ولماذا نفشل أحياناً في إجتياز بعض الإمتحانات في المدرسة؟ ولماذا نفشل في إجتياز الصف الدراسي سنة بعد سنة إلا أن نقضي في كل صف دراسي سنتين او اكثر أحياناً؟
قالت الأخرى: وأنت أمي تخرجين يومياً الى بيت خالتي او الى بيت الجيران ولم تفكري أن تقضي بعض الوقت معنا لتشاركينا أحلامنا وتشاركينا أوجاعنا.
بكت الأم مرة أخرى وهنا إعترفت وقالت: نعم لقد كنت مُقصّرة بحقكما وبحق إخوتكما الثلاثة، نعم لقد كان أبوكم مُقصّر بحقكم ايضاً ولكن يجب أن تعذروه في نفس الوقت فهو لم يكن يقصد ذلك لأن عمله ليس جيداً لذلك كان مُجبراً على ترك البيت وترككم للبحث عن عمل آخر.
بعد الحوار الذي جرى بين الأم وبنتيها نهضت الكبرى ونهضت الصغرى معها وقالت إحداهما للأخرى: هبي معي فيجب أن نترك كل شيء، نعم نترك العمل الآن ونبدأ الرحلة للبحث عن أبينا!
قالت الكبرى لأختها: هناء إتصلي الآن بياسر وأطلبي منه الحضور حالاً وأنا سأتصل بمهند وعماد.
وفعلاً بدأت رحلة البحث بكل جدّية عن الأب بعد أن إمتلأ البيت وللمرة الأولى بشيء أسمه المحبة والتفاني بين الأب والأبناء.
مستمعينا الأحبة بعد أن إستمعنا الى قصة عائلة أبي ياسر توجهنا الى سماحة السيد حسن الكشميري الباحث الإسلامي من مدينة قم المقدسة لسؤاله عمّا يراه الشرع الإسلامي عن ضرورة سيادة المحبة والود بين الأبناء والآباء وما إنعكاسات إنعدامها وماهي نتائجها السلبية بعد ذلك؟ فلنستمع معاً
الكشميري: في مجال المحبة والتحبب، هذه الظاهرة وهذه الحالة الله سبحانه وتعالى عطّر بها الوجود بشكل كامل حتى أننا لما نُخاطب النبي صلى الله عليه وآله نقول "السلام على محمد حبيب الله" وكذلك جعل الله سبحانه وتعالى رمز التقرّب اليه من عباده هم "الَّذِينَ... يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ..." اذن حياة بلا محبة كزاد بلا ملح وحياة بلا ذوق لذلك تعلمنا التجارب وتعلمنا الأيام وتعلمنا الأخبار أنه مَن يتعامل بمحبة يُقيّض الله له مَن يُعامله بمحبة خصوصاً اذا تعامل مع أرحامه ومع أقرباءه وطبعاً أفضل الأقرباء والأرحام بالدرجة الأولى هم والداه. الله سبحانه وتعالى يقول "إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم" وكما تعلمنا التجارب أن الحياة هي مقياس تعامل كما يقول أبو نواس:

مالي والناس كم يلهونني سفهاً

ديني لنفسي ودين الناس للناس

إني قرأت كتاباً في صحائفكم

لايرحم الله إلا راحم الناس


والرحمة هي من أبرز عناوين المحبة، المروءة هي من أبرز عناوين المحبة، الإحترام ايضاً حالة من المحبة وبجملة واحدة مَن يُحب الغير لايخسر ومَن لايُحب هو الذي يخسر. إننا ندعو الله دائماً أن يُعطينا المحبة وأن يُعلمنا المحبة وأن يُنمّي روح المحبة في قلوبنا، أن نحب الغير وكما قلت الحياة تبادل وغداً نحن ننتظر مَن يعاملنا بمحبة. طبعاً لما نقيس الحياة الشرق أوسطية او الحياة الإسلامية بالحياة الأوربية نرى هناك المحبة غائبة لاوجود لها. المحبة هي من دلائل الطعام الحرام ومن دلائل العيش الحرام ، حينما يكون الطعام الحرام والعيش الحرام سائداً تغيب المحبة والعياذ بالله أما اذا عشنا اجواء الحلال وتبادل الطعام الحلال واللباس الحلال تمتلأ قلوبنا بالمحبة وبالتالي نسأل الله أن يجعلنا من أهل المحبة ومن دعاة المحبة ومن صنّاع المحبة إن شاء الله.
بعد أن إستمعنا الى سماحة السيد حسن الكشميري نتوجه الآن مستمعينا الأفاضل الى الدكتور هاشم الحسيني الباحث الإجتماعي من بيروت لسؤاله عن أسباب إنعدام المحبة بين الآباء والأبناء وهل تعود لأسباب مادية كما في حالة أبي ياسر الذي كانت اجوره الشهرية منخفضة او هناك أسباب رئيسية أخرى، فما هي؟ وما طرق علاج هذه المشكلة؟ فلنستمع معاً
الحسيني: إن مثل هذا الوضع يُعبّر عن حالة من الإنقطاع بين الأب وعائلته بسبب إنصرافه الى العمل خارج البيت. المسئلة المادية طبعاً تلعب دوراً أساس بإعتبار أن هذا الأب ليس قادراً على تلبية حاجيات اولاده وبالتالي فإنهم يتذمرون من الوضع السيء مادياً بالتالي تتولّد لديهم بعض الآراء السلبية إتجاه الأب ويلومونه حتى ولو كان الأمر بدون حق، حتى ولو كان الوضع مستقلاً عن إرادته. غالباً ما تكون الحالات المادية مستقلة عن
إرادة الشخص الذي يعاني منها إنما هو جواً يخلق نوعاً من التباعد بينه وبين أفراد العائلة بحيث أن الإحتكاك المباشر لم يحصل لأنه هو خارج البيت وليس على صلة بهؤلاء الأولاد لكي يطلع على مشاكلهم فيتولّد عندهم شعور سلبي من شأنه أن يميلوا الى لومه وتحميله المسؤولية. أما هناك تسائلاً بالنسبة الى هذه الحالة، اذا كان وضعه المادي صعباً لماذا هو يبقى دائماً خارج البيت؟ هل هو في حالة بحث دائم عن عمل؟ أم أن عمله طويل والوارد الذي يترتب عليه قليل؟ يمكن يرى الأولاد أن الأب في حالة تهرّب من المسؤولية وليسوا مقتنعين بأن طول الإقامة خارج البيت هي مَردها إنصرافه الى العمل لأن العمل سواء أتى بموارد كبيرة او موارد قليلة له وقت مُحدد وليس وقتاً مفتوحاً فلماذا هو مُمعن في الغياب عن البيت؟ لعلهم يلومونه لهذا السبب حيث يعتبرون أنه يتهرّب من المسؤولية ولايريد أن يُقابلهم ولايريد أن يتفاعل معهم فغياب التفاهم المتبادل، غياب الحوار، غياب عرض الوضع كما هو في الواقع، عدم المواجهة الفعلية للمشكلة سيؤدي الى تفاقم الوضع وجعل الأولاد يلومونه. الحلول اللازمة طبعاً اذا كان بالإمكان أن يحل مشكلته المادية بالدرجة الأولى وإن لم يستطع حلها فعليه على الأقل أن يشرح لعائلته ماهي الأسباب وراء غيابه المستمر عن البيت. اذن المواجهة وأن يشرح وضعه حتى لو لم يستطع التغلّب على الصعوبات والمشاكل المادية التي يعاني منها. المكاشفة هي عنصر أساسي في مواجهة هذا الأمر.
في ختام حلقة اليوم مستمعينا الكرام نشكر لضيفينا الكريمين سماحة السيد حسن الكشميري الباحث الإسلامي من مدينة قم المقدسة والدكتور هاشم الحسيني الباحث الإجتماعي من بيروت حسن المشاركة كما نشكر لكم حسن الإستماع لبرنامج من الواقع والذي قدمناه لحضراكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران، الى اللقاء ودمتم في أمان الله وحفظه.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة