البث المباشر

الوقوع في أسر المال وحب الدنيا

السبت 16 نوفمبر 2019 - 09:40 بتوقيت طهران

إذاعة طهران- من الواقع: الحلقة 14

ضيوف البرنامج عبر الهاتف: الشيخ كميل شحرور الباحث الاسلامي من لبنان والاستاذة ندى الشمري الباحثة الاجتماعية من لندن
بسم لله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
احبائي واعزائي المستمعين سلام معطر بنسائم مليئة بالمحبة والشوق للقاءكم.
أحبائي محور قصتنا اليوم هو الوقوع في أسر المال وحب الدنيا. لنستمع لقصة اليوم ومن ثم نستضيف أحد علماء الدين وأحد خبراء علم التربية، او علم النفس، ليكونوا معنا ليساهموا في الاجابة عن بعض الاسئلة التي يمكن نجد مخرجاً لمثل هذه الحالات... سنلتقي مجدداً بعد قليل انشاء الله..
سعى فاضل في أول حياته وراء المال، نسي أمه وأبوه وإخوته ونسي الكل في طريق جمع ماله. كان ينام في الطرقات والحدائق العامة، يعمل ليل نهار يجمع المال ويبخل على نفسه ويبخل على أهله الذين كانوا في حاجة لمن يساعدهم ويمد لهم يد العون. كان الناس يتصدقون عليهم اما هو كان يجمع القرش فوق القرش دون ان يلتفت وراءه او يرف له طرف على أهله وإخوته وما هو حالهم... إدخر مالاً كثيراً وفي فترة وجيزة اشترى مصنعاً صغيراً للخياطة... كبر وكبر ماله وكلما كبر ماله نسي أهله وناسه.... كما نسي السعي لدار آخرته.
بعد سنوات تزوج من امرأة فاضلة خيرة ابنة تاجر في السوق وبعد وفاة والدها استولى على كل امواله واضافها لماله كما انه كان بخيلاً في منزله يقطر عليهم المصروف اليومي ولايخاف الله في أهل بيته من أجل المال.
مرت الأيام والسنون وهو على هذه الحال تحول الى مارد كبير يبلع كل شيء اسمه مال ولايعرف شيء اسمه ذمة ولا ضمير فيما يخص معاملاته التجارية.. وعندما شعر ان العمر يمضي حاول ان يغير نمط حياته ولكن كيف؟
اول عمل قام به هو الذهاب الى الحج... ذهب الى الحج بمفرده لم يوف الناس حقهم، لم يعط كل صاحب حق حقه رغم أنه متمكّن ويملك المال. ترك أولاده دون زواج وهو يقول لهم أنا تعبت على نفسي فاتعبوا أنتم على أنفسكم وكونوا رجالاً ليس لدي المال الكافي لأشتري بيوتاً لكم او أزوّجكم.
وعندما يأتي الخطاب على ابنتيه يطالب بحق تربيتهم وتكبيرهم ويطلب مقابلهم المال، ولذلك كان يفر الخطاب من عتبة الباب وهكذا بقي ابنائه وبناته دون زواج.. وهذه المعاملة وهذه التصرفات أثرت في ابنه البكر فقرر ان يعمل ويؤمن بيتاً لأمه واخوته ويترك أبوه لماله وثروته وحده...
تعب الابن البكر وهو يجمع المال لاجل البيت الجديد، عمل بجهد ليل نهار حتى تمكن من بناء بيت مناسب لوالدته وإخوته وإخواته ونذر نفسه لهم ولخدمتهم ... ترك الجميع الأب وحده مع ماله وثروته، يتوسد نقوده يفترش اسهمه وسنداته و شركاته. كان بيته خاوياً من النور، كئيبا ... اما الابناء فكان بيتهم ينير ويشع بنور المحبة والتضحية فالكل يعمل ويضحّي من اجل. الكل تعلموا جميعهم كيف يحبون بعضهم البعض وكيف يساهمون في بناء بيت مريح يعيشون فيه دون بخل او دون مذلة والدهم... كروا المال والثروة وكل همهم هو ارضاء الله...
مع مرور الأيام تدهورت صحة الحاج فاضل ونقله حارس المنزل الى المستشفى. وفي المستشفى تبين ان لديه مرض خبيث وان علاجه يكلفه الكثير، ولبخله الشديد كان لايحتمل فكرة صرف المال واخراجه من خزنته، فأرسل وراء ولده واخبره بمرضه وطلب منه ان يعينه على العلاج وانه لايستطيع التكفل بمصاريف مرضه وانه لايملك المال الكافي للعلاج...
استغرب ابنه من كلامه وقال له: انك تملك المال الكثير اين ذهب مالك؟
اين ذهبت ثروتك؟؟ عندها قال الحاج فاضل: أفلس وقد خسر معظم ثروته في صفقة خاسرة دخلها من أجل صديق له...
تألم ابنه لسماع اخبار ابيه المؤلمة واخبر امه بالامر فقررت العودة الى منزله او المجيء بالاب الى منزلهم ليتمّ معالجته وهكذا عملت الأم مع ابنائها جاهدين من أجله وأجل انقاذ حياته ومعالجته.. لم يدّخروا شيئاً من أجله حتى انهم اضطروا لبيع منزلهم من أجل يغطوا مصاريف العلاج. دام الامر سنوات، فالابناء يعملون ويجدون ويشترون الدواء والام والبنات يرعون الحاج فاضل. وبعد فترة وجيزة تعافى الحاج فاضل وربما كانت هذه فرصة وهبها الله له لكي يعيد النظر في ما قدمه وأخره في حياته..
وما ان استعاد عافيته حتى عاد الى طباعه الأولى، وعندما عرف الاولاد بأن ابيهم كان يضحك عليهم حين قال انه خسر كل ثروته وانهم باعوا بيتهم من أجله تألموا لأجله ولما وصلت به الحال فقرروا ان يعودوا وان يبنوا حياتهم من جديد بعيدا عنه وانهم لن يعودوا له مهما كان الامر... وبالفعل غادرت زوجته وابنائها منزل الحاج فاضل الى منزل صغير يجمعهم سوية وعاد الكل يعمل من اجل الكل...
ولسوء حظ الحاج فاضل عاوده المرض وعاد يرجوا ابنائه بالعودة اليه ومساعدته على تجاوز المرض.. وهنا كان الموقف الصعب امام زوجة الحاج فاضل و ابنائه هل يقفون معه مرة أخرى و ينسوا ما فعل بهم في المرة الماضية أم يرفضون طلبه و يتركوه وهو أب العائلة.
والآن اعزائي وكما اعتدنا وقلنا في مقدمة البرنامج استضفنا فضيلة الشيخ (كميل شحرور) الباحث الاسلامي من لبنان و سالناه: فضيلة الشيخ يتبادر الى اذهاننا بعد سماع هذه القصة هل يحق للأب ان يحرم ابنائه من ماله ويتركهم يعيشون الحرمان رغم تمكنه من مساعدتهم؟؟ وما هو رأي الدين الاسلامي في محبي جمع المال على حساب حياتهم وحياة أسرتهم ومن حولهم وفي حرمان الأبناء من العيش برفاهية رغم التمكن؟ هل يحق للأبناء ترك الاب والام في مثل هذه الحالة وانما طاعتهم وتحملهم واجبة على الابناء؟
شحرور: بالنسبة الى هذا الموضوع في الحقيقة البخل من الامور التي تصيب الانسان انا بشكل وراثي واما بشكل اكتسابي لكن القاسم المشترك بين الوراثي والاكتسابي ان هذا البخيل لاينفق وقد لاينفق على نفسه ليس بخيلاً على غيره بل حتى على نفسه. قبل ان ابدأ بوجهة النظر انسانياً نتصور الرجل لاينفق على اولاده، يمتلأ مالاً ولكن اولاده مثلاً محتاجون فقراء، اولاً اين حنان الابوة، اين النظرة الانسانية الى هذا الولد، الايوجد في قلب هذا الاب عاطفة، ماذا سيفعل هل كل ما يكنز من مال سوف يستفيد منه؟ انما يضعه جانباً بأعتبار سيستفيد منه يوماً ما وسوف يموت ويتركه، لماذا لايكسب ود اولاده في حياته قل مماته؟ لماذا لايعيطهم من ماله؟ اما النظرة الدينية ايضاً اولاً يجب شرعاً عند الفقهاء اذا كان الاب متمكناً وكان الاولاد محتاجين يجب شرعاً النفقة بأجماع الفقهاء، يجب ان ينفق، يجب عليه ان يسكنهم ويطعمهم ويأكلهم وان يزوجهم يعني هذه الامور الثلاثة الثابتة اذت هذه المسائل الانفاق في الشرع الاسلامي واجب بمعنى ان الاب المقتدر اذا كان عنده اولاد محتاجين سوف يتحمل المسؤولية الشرعية امام الله عزوجل يوم القيامة ويسأل عنه وهو وجوب شرعي وليس وجوباً استحبابياً او ندباً، وجوب حكم شرعي كباقي الاحكام الشرعية الواجبة. لايجوز عندنا في اي طريقة او اي وسيلة ان يترك الابناء والدهم او امهم لأنه كان بخيلاً لأن الاسلام طلب من الاولاد ان يبروا آباءهم بأي طريقة كانت حتى ولو كان مذنباً هو يتحمل مسؤوليته امام الله، هو مذنب صحيح لكن هذا لايبرر لي ان لاابره. لاحظوا حتى في القرآن الكريم عندما تحدث "وان جاهداك على ان تشرك بما ليس لك به علم فلاتطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً" يعني اذا وصل الامر بالاب انه ليس ان يكون بخيلاً اعظم من ذلك، طلب من ابنه الشرك والعياذ بالله عزوجل قال الله عزوجل لاتطعه ولكن هذا ليس مبرراً ان لاتبره حتى لو كان مشركاً بل ماذا تفعل؟ قال "صاحبهما في الدنيا معروفاً" نعم انا اقول هذا صعب، هذا موضع ابتلاء، انا اقول ابتلاهم الله بمثل هذا الاب وقد يكون صعباً، "رحم الله من اعان اولاده على بره" ان يكون اباً رحيماً، اباً معطاءاً ولكن ان يكون اباً صعباً، ان يكون اباً صعباً بهذا المقدار هذا فعلاً ابتلاء من الله عزوجل، ابتلى هؤلاء الأبناء بأبيهم وامهم مثلاً فيجب عليهم ان يصبروا، ان يتحملوا وان لايؤذوهم مع كل الاذى الذي يتحملونه من الاب وهذه مقاربة شرعية وان شاء الله سوف يرون ثمار ذلك في الدنيا وفي الاخرة وقبل ذلك سوف يرون ثمار ذلك عند اولادهم لأن اولادهم سيرون كيف عامل الولد اباه وكيف صبر على اباه ففي المستقبل سيعاملون اباهم كما عامل هو اباه. نقول يجب انسانياً ويجب شرعياً ان ينفق الاب على ابناءه وان ينفق الابناء على اباءهم وعلى والديهم اذا كان هناك حاجة فيما حصلت بين الطرفين والحمد لله رب العالمين.
نشكر فضيلة الشيخ حضوركم معنا ومشاركتكم في حلقة اليوم كما استضفا الاستاذة (ندى الشمري) الباحثة الاجتماعية من لندن وبعد ان اسمعناه معا قصة اليوم سالناه كيف يمكن معالجة محبي المال والثروة وهل هناك امل في مساعدتهم على الاندماج في الحياة بصورة طبيعية؟ وكيف للابناء التعامل في مثل هذه الحالات؟
الشمري: مثل ماجاء في القصة حسب اعتقادي هو مرض وداء فتاك يدخل في امور كثيرة، من هذه الامور التي يسببها البخل هو ابتعاد الناس عن البخيل وحتى ابتعاده عن احباءه واقرب الناس اليه، يسبب البخل تهديم اسر كاملة مثلما تفضلتم الان، يزرع الحقد، يقطع روابط الوصل فيما بينهم، شيء طبيعي ان البخل ينجم عن عدم ثقة بالله سبحانه وتعالى، عدم ثقة البخيل بالله سبحانه وتعالى لأنه يتصور ان الله سبحانه وتعالى سوف لايرزقه بعد هذا ولو نقص هذا المال لايأتي غيره او انه لو صرف من هذا المال سوف يصبح فقيراً فهذه هي المشكلة التي يشعر بها. انا في اعتقادي انه يجب ان لانفقد الامل مادام الله سبحانه وتعالى خلق الانسان واودع فيه قابليات تغيير لايفقد الاولاد الامل في تغير والدهم او اقرب الناس اليهم والذي هو مصاب بهذا الداء الخطير، طبعاً هذا التغيير من الطبيعي ان يكون بطيئاً وليس سهلاً لأن البخيل كما تعلمون اعتاد على هذه الصفة لسنوات عديدة لذلك على الابناء معالجة الامر بروية وصبر وعندما يعالجون الامر يكونون موضوعيين بعيدين عن التوتر وان لايتمكنوا عليهم الاستعانة بآخرين ليغيروا هذا الوضع لكن انا في نظري انا افضل المعالجة ان تأتي من قبل الابناء انفسهم كي تحصر المشكلة ولايأخذ الاب مثلما يقال العز بالاثم فيجلسون جلسة ودية فيها الحب والاحترام واشعار الاب انهم معه وهم جزء منه وهم اقرب الناس اليه وهو اجمل شيء بالنسبة اليهم وثم يطرحون المشكلة دون حساسية ودون اثارة الاب ودون توجيه اي اتهام اليه بل طرحه بشكل عفوي وصادق واستفسار واشراك الشخص ايضاً في كيفية معالجة هذا الامر دون تسمية هذا الامر مشكلة كذلك افضل ان تتدخل الام مسبقاً ولاحقاً يعني قبل ان يجلس الابناء مسبقاً ان تكون جلسة للام وبعد جلسة الابناء تكون جلسة للام مع الاب لأنها هي لها الدورالكبير لأنها هي الطرف الثاني مع الاب الذي يتحمل هذه المشكلة وانها معه وهما معاً مشتركين في بناء عائلة مستقيمة مؤمنة لها اهداف كبيرة جداً اسمى وارفع من هذه الاهداف البسيطة وهو جمع المال، اهداف كبيرة في بناء المجتمع، في بناء اسرة جيدة وتبين له انه هو الاب، هو القائد، هو المثالي، هو اهم شيء في العائلة، هو الركيزة في العائلة وكيف ينظر الابناء للوالد، تبين له انه هو القدوة الصالحة لهم وكيف يعتبرونه المثل الاعلى لذلك عليهم جميعاً ان لايقطعوا الامل لأن هذا الشخص اعتاد على هذا الامر يمكن لسنين لذلك نحن دائماً نقول حينما تحدث مشكلة علينا دائماً معالجتها في بداية امرها وهي صغيرة دون ان تترك لأنه اذا تركت تتفاقم وتصبح مشكلة متأصلة، تصبح عادة عند الشخص فيصعب معالجتها في السمتقبل.
في نهاية مشوارنا لهذا اليوم نشكر الاستاذة (ندى الشمري) الباحثة الاجتماعية من لندن على مشاركتها معنا ونتمنى لكم ان تكونوا قد استفدتم من لقاء اليوم والى لقاء آخر نستودعكم الباري والى اللقاء.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة