البث المباشر

الفشل في الحياة الاجتماعية

السبت 16 نوفمبر 2019 - 08:30 بتوقيت طهران

إذاعة طهران- من الواقع: الحلقة 11

ضيوف البرنامج عبر الهاتف: الشيخ فيصل العوامي الباحث في الشؤون القرآنية من السعودية والسيد جعفر العيد الخبير الاجتماعي من السعودية
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أحبائي وأعزائي المستمعين، نرحب بكم في حلقة من حلقات برنامج من الواقع، قصتنا اليوم تتحدث عن الفشل في الحياة الاجتماعية، من منا لم يواجه الفشل في ناحية من نواحي الحياة قد تكون بالدراسة وقد تكون في مواجهة موقف معين او في عمل معين ولكن لكل منا طريقته في مواجهة الفشل، فالبعض منا يقاوم الفشل حتى يصل النجاح والبعض يهرب من فشله الى فشل آخر وآخر وآخر، واليوم سنرى كيف أن صاحبة قصتنا، كيف أنها تخرج من فشل لتدخل في فشل آخر وتلقي اللوم على الحظ... وكما هو الحال في كل حلقة من حلقتنا سنستضيف أحد علماء الدين وأحد المحللين الاجتماعيين او التربويين لايجاد منافذ وحلول تساعد صاحبة قصتنا على التخلص من عقدة الفشل التي رافقتها طوال حياتها.. فابقوا معنا وسنعود بعد انتهاء القصة...
كنت في الصف الثاني متوسط عندما بدأت حياتي الدراسية بالتعثر ولأنني لا أحب أن أبذل جهداً كبيراً كان رسوبي في المدرسة متتالياً وأخيراً طردت من المدرسة بسبب الفشل الدراسي المتكرر... لم ائبه بذلك واعتبرت أن الأمر يحصل، امي وابي كانا متألمان لذلك ولكنني حتى لم افكر به طويلاً، المسألة عادية بالنسبة لي، ماذا يعني أنني طردت من المدرسة فالحياة لا تتوقف على المدرسة فقط ؟؟ غدا ساتزوج ويكون لي زوج وعائلة وبيت.... وبالفعل لم يمر وقت طويل حتى تزوجت من ابن خالتي... ولأنني لا ابالي ولا يهمني شيء اما هو حريص على الوقت حريص على المادة حريص في كل شيء... كنت أعتقد أنه حريص حتى على عدد المرات التي يتنفس بها... شعرت معه بالملل والتكاسل من الاستمرار بالحياة معه لذلك قررت الانفصال عنه...
هذه المرة لم أستطع أن أحصل على الطلاق بسهولة عارضني كل من حولي بشدة ابي وامي واخي وكل من حولي، أما زوجي رفض الامر رفضاً قاطعاً وطلب مني التفكير بالامر، واننا يمكننا النجاح لو تعاونا معاً على تخطي هذه العقبة الصغيرة.. لكنني أصريت.. لماذا أعاني معه، ما الذي يجبرني على ذلك، ما دمت استطيع الانفصال عنه والاستمرار في الحياة، ليس هو آخر المطاف في الحياة، الحياة مليئة بالمفاجآت ربما وجدت زوج آخر أفضل منه، وربما استطعت أن أجد عملاً يناسب مؤهلاتي.. ولكن ما هي مؤهلاتي.. إن كنت أنا نفسي لا أعرف فكيف للآخرين يعرفونها.. المهم وأخيراً نجحت في شيء وهو أنني حصلت على الطلاق...
عدت الى منزل والدي لم تكن الحياة بالبساطة التي تصورتها بل على العكس كانت صعبة جدا علي، فقد تغيرت معاملة والدي لي وكأنهم تركوا أمري لأخي الكبير وبات يتحكم في كل شيء في خروجي في ملبسي في كل شيء.. قررت البحث عن عمل... لم يكن سهلاً بل كان شبه مستحيل ولكنني استطعت ان اجد عملاً في مدرسة للبنات، اصبحت المنظفة في المدرسة... ولأنني لم اعتد العمل لم تمض اشهر حتى طردت من عملي هكذا بكل سهولة... ولم اتعلم الدرس بعد، قررت البحث مرة أخرى واخرى وأخرى عن عمل لكن الأمر يزداد صعوبة في كل مرة وكلما دخلت في عمل طردت منه بكل بساطة لأنني مهملة ولأنني ولأنني...
مضت السنوات ندمت كثيراً على المدرسة ندمت كثيراً على زوجي الذي تركته ودون سبب، ندمت كثيراً على الفرص التي ضيعتها من حياتي... مرت السنوات ووجدت نفسي زوجة لرجل آخر ولكن هذه المرة فرض علي لأنني مطلقة ولأنني لا أملك الخيارات فهذا هو أفضل الحلول بالنسبة لي... تزوجت ولكنني تزوجت من رجل له زوجة وأطفال... وشيخ كبير يريد مني أن أكون له ممرضة.. وأنا لم اعتد تلك الحياة... لم يمض وقت طويل حتى عدت خائبة الى منزل والدي... ولكن بحال أسوء من السابق ولأن اخي لم يعد يتحمل تصرفاتي كما يقول اصبح صعب المعاملة... وصلت حتى أنه يمد يده علي ويضربني وهو يقول لي إن لم يربيك والديك سوف اربيك انا... وهكذا لا يمر يوم علي دون أن أهان.. وفجأة وجدت نفسي أعمل في بيت اخي في مطبخ البيت واسكن في غرفة صغيرة اسميها غرفة الفئران... بعد وفاة والدي اصبح مصيري موكل بيد إخوتي...
حاولت لمرات عدة البحث عن عمل، لم أجد، حاولت مرات عدة الفرار من المنزل والعيش لوحدي ولكن كيف ولأنا لا املك مال وليس لدي عمل وليس لدي شهادة تحميني من الزمان وامرأة مطلقة لمرتين، لم أشعر بهذه الإهانة من قبل، ولم أفكر بها من قبل عندما كان والدي على قيد الحياة، اعتدت الحماية أجد الحماية منهما مهما فعلت ولكن اليوم أنا بدون حماية بدون أب او أم بدون أي شيء، حاولت الاتصال بزوجي الاول والرجوع اليه لكنه بنا حياة جديدة بعيدة عني وهو الآن سعيد كما قال لي... حاولت العودة الى الشيخ وقبلت أن اكون ممرضة بين يديه ولكنه رفض ورفض بشدة... وكلما تقدم لخطبتي أحد يرفض أخي بشدة ويقول لا أريد أن أفشل مع الناس فأنت فاشلة؟؟ ما العمل... كيف لي أن أخرج من أزمتي هذه لا استطيع أن أكمل حياة في غرفة الفئران هذه علي أن افعل شيء؟؟
نعم أحبتي هناك من يواجه الفشل بتكبر وتعنت دون أن يرجع الى ذاته والتأمل لماذا فشلت وينهض ويقاوم هذا الفشل بنجاح .. أما الآن مستمعينا الكرام نستمع الى رأي سماحه الشيخ فيصل العواصي الباحث في الشؤون القرآنية من السعودية بعد ما أسمعناه قصتنا وسألناه: ما هو نظر الشرع في من يتهاون في الحياة ويأخذها على هون؟؟ فأجاب مشكوراً..
العوامي: بسم الله الرحمن الرحيم في الحقيقة هذه المشكلة الاجتماعية نجد للقرآن الكريم علاجاً يركز على جذور هذه المشكلة، هناك مجموعة من الايات القرآنية وردت في سور متعددة من مجموعها تتكون الرؤية التي هي في الحقيقة العلاج النفسي لتلك الجذور، الاية الاولى "وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ" (سورة التوبة۱۰٥)، الاية الثانية "يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً" (سورة مريم۱۲) والاية الثالثة "وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً..."(سورة البقرة۱٤۳) وفي اية اخرى "كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ..." (سورة آل عمران۱۱۰) تشير الى عناصر ثلاثة، العنصر الاول العمل والانتاج والمثابرة، العنصر الثاني الهمة في الامور والجد والعنصر الثالث الامل، هذه العناصر الثلاثة هي عناصر النجاح في حياة الانسان، اغلب الناجحين هم في الحقيقة كانوا فاشلين يوماً ما والانبياء على عظمتهم مانجحوا الا بعد ما مروا بتجارب فاشلة كثيرة، رسول الله صلى الله عليه واله انهزم في احد ولكنه بعد ذلك سطر تجارب ناجحة او معارك ناجحة كثيرة لابد ان يمر الانسان بفشل لكن الذي يفشل لابد ان يتعلم هذه العناصر الثلاثة اولاً عليه ان يعمل ويتحرك ولايكون الفشل عاملاً للجمود وانما ينبغي ان يكون دافعاً للنشاط، للتحول من الفشل الى النجاح، ثانياً لابد ان يتعامل بجد ويأخذ الحياة بقوة، الباري جل وعلا يخاطب يحيى بن زكريا "يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ" يعني بجد "وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً" لأنه اخذ الحياة بجد وبقوة الله سبحانه وتعالى آتاه الحكم اضف الى ذلك الانسان لايمكن ان يعمل ولايمكن ان يأخذ الحياة بجد الا اذا كان مزوداً بالامل، لاحظوا المسلمون عندما هزموا في احد الاية المباركة خاطبتهم "كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ" مع انهم كانوا منهزمين لكن الاية المباركة تقول انتم افضل الامم هذا لأعطاءهم الامل فأقول لصاحبة المشكلة هناك عناصر ثلاثة ينبغي ان تلتفت اليها بالاضافة الى المقدمة التي ذكرتها ان الفشل بداية الطريق للنجاح فلايصح ان يكون الفشل طريق وسبب للجمود وانما لابد من العمل ثم الجد في الحياة وترك اللاابالية والضعف ثم التزود بالامل هذه العناصر الثلاثة ستكون كفيلة بأذن الله تعالى وكما نص بذلك القرآن الكريم كفيلة بنقل الانسان من الفشل الى اعلى درجات النجاح بأذن الله تعالى.
نشكر سماحة الشيخ فيصل العواصي على ما تفضل به. أما الآن جاء دور الخبير الإجتماعي من السعودية السيد جعفر العيد وبعد ما أسمعناه قصه اليوم سألناه: ما هو السبب في نظركم، إن هذه الفتاة اعتادت الفشل وتحمله بكل بساطة وبكل سهولة؟؟ وما الذي يمكن أن تفعله للخروج من أزمتها هذه؟ فاجاب مشكورا..
العيد: بسم الله الرحمن الرحيم بالنظر الى القصة التي طرحت لهذه المرأة نجد ان هناك ثمة معطيات من الشرح الذي حصلنا عليه وعندما نتأمل في مشكلة هذه المرأة تحصل على انها في بداية حياتها لن تتوفق في اكمال الدراسة، اثنين التسرع والاستعجال في الزواج الاول، ثلاثة تجربة طلاق، اربعة زواج ثاني فرضته الحاجة وبعدها فشل في الزواج الثاني لعدم الملائمة فيه، هناك مجموعة من الاسئلة يطرحها الاخصائيون ليس هناك سؤال من دون هدف، كيف كانت علاقة اب هذه البنت مع امها؟ يعني ماهي تجربة الاسرة لديها؟ القدوة الحسنة في حياتها كيف كانت؟ من المعلوم في سني المرحلة الاعدادية وحسب ماذكرت تكون هناك مجموعة من التخيلات وبداية التوهم بحياة سعيدة في الزواج يسودها الخيال اكثر من الواقعية اذن لماذا هذه المرأة سارت من اخفاق الى فشل الى اخفاق اخر الى فشل والى متاهات في هذه الحياة؟ نتوقع من الانسان انه لايولد كاملاً لكن يمكن ان يتعلم الكثير من الاشياء في حياته وليس هناك انساناً فاشلاً بالكامل يستطيع الانسان ان يتعلم وان يغير اسلوب حياته وطريقة حياته ومن المؤكد لو كان ثمة ارشاد زواجي واسري او كان ثمة من ينصحها ويقودها الى طريق صحيح وكيفية صحيحة في اختيار الزوج لكانت يمكن ان تكون حياتها افضل من هذه الحياة. لم يحالف هذه المرأة الحظ ان تجد الزوج الذي يصبر عليها ويساعدها ويسير بها الى حياة ملفقة ان صح التعبير وليس هناك مانع ان يتلائم الانسان لأن الحياة الدنيا بالتالي هي حياة قصيرة ويمكن ان يثاب الانسان اذا كان صابراً على زوجته واذا كانت المرأة صابرة على زوجها والامثلة كثيرة في التاريخ من زوجات صبروا على طواغيت في العصر وامثلة كثيرة على رجال صبروا على نساءهم ولكن هذه المرأة سارت من فشل الى فشل اخر، هي تعزو كما قالت هي تعزو هذا الفشل كله الى اللامبالاة والى الكسل ونحن نصدقها بأعتبار ان هذا الكلام الاولي هو كلام لها ولكن يمكن ان تكون هناك اسباب وعوامل اخرى قد لاتكون رئيسية ولكنها اسباب وعوامل مساعدة على تفاقم المشكلة ومن الواضح في سرد هذه القصة ان هناك اسرة لم تحاول ان تتفهم وضع هذه المرأة، لم تحاول ان تساعدها بالشيء القليل وهناك اخ تعامل معها بالطريقة العنيفة اذن نحن من هذه المشكلة نخلص الى اننا نحتاج ان نساعد انفسنا كمجتمعات في ان نتخطى بعض المشكلات الزواجية والاسرية وما اكثرها وبالتالي نستطيع ان نساعد انفسنا اولاً ومجتمعنا ثانياً وامتنا اخيراً في المسير الى سلم الحضارة وسلم التقدم والرفاهية وشكراً لكم.
مستمعينا الكرام في ختام حلقة اليوم، نرجو أن تكونوا قد استفدتم منها ونرجو لكم أوقات طيبة حتى اللقاء القادم نستودعكم الله و السلام عليكم.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة