البث المباشر

شرح فقرة: "والغضب والعسر..." (۱)

الأحد 3 أكتوبر 2021 - 14:48 بتوقيت طهران

إذاعة طهران- ينابيع الرحمة: الحلقة 60 من شرح أدعية النبي (ص)

 

بِسْمِ اللَّهِ وله الحمد الذي هدانا للتمسك بعرى نبعي رحمته وثقلي هداه وحكمته كتابه العزيز وعترة نبيه المبعوث رحمة للعالمين محمد (صلى الله عليه وآله) الطيبين الطاهرين.

السلام عليكم اخوتنا المستمعين ورحمة الله وبركاته، معكم في لقاء اليوم من هذا البرنامج ووقفة جديدة عند المقطع الختامي من دعاء الحجب الشريف الذي يعلمنا فيه حبيبنا الهادي المختار (صلوات الله عليه وآله الاطهار) ان نستعيذ بالله جل جلاله من العوامل التي تحرم الانسان من الحياة الطيبة والسعادة في النشأتين حيث يقول: (اللهم ... أسألك بعزة ذلك الاسم ان تصلي على محمد وآل محمد، وأن تصرف عني وعن أهل حزانتي وجميع الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، جميع الآفات والعاهات، والاعراض والامراض، والخطايا والذنوب، والشك والشرك، والشقاق والنفاق، والضلالة والجهل والمقت، والغضب والعسر، والضيق وفساد الضمير، وحلول النقمة، وشماتة الاعداء وغلبة الرجال، إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء لطيف لما تشاء ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم).

اخوتنا الاكارم، انتهى بنا الحديث الى العامل الخامس عشر من العوامل التي تجلب الشقاء للانسان وهو (الغضب)، فنبدأ اولاً بالتعرف الى معناه، وأثره في سلب الانسان الحياة الطيبة.

جاء في كتب اللغة أن الغضب مشتق من (الغضبة) وهي الصخرة الصلبة والخشنة كما في مقايس اللغة والاشتقاق، وفي التهذيب أن (الغضوب) وصف يطلق على الحية الخبيثة والناقة العبوس.

ف الغضب أصل يدل على الشدة والقوة والإيذاء وهو أشد السخط واعلى مراتبه، اي ان يعبر - كما في كتاب التحقيق في كلمات القرآن الكريم- عن تحرك في النفس الى حدة وشدة في قبال شيء آخر، ويقابله - اذا صار مذموماً- في الاخلاق الحلم وهو التعقل والسكون.

وهذا يعني خروج النفس عن الاعتدال في التعقل والسكون الى جانب الحدة والاشتعال، قال الامام الباقر (عليه السلام): (الغضب جمرة من الشيطان توقد في جوف ابن آدم، وان أحدكم اذا غضب احمرت عيناه وانتفخت اوداجه ودخل الشيطان فيه).

لا يخفى عليكم أيها الافاضل، ان مراد الامام الباقر (عليه السلام) هو الغضب المذموم اذ أن المستفاد من النصوص الشريفة ان ثمة غصبٌ ممدوح فقد صرحت الاحاديث الشريفة أن من علائم الايمان الرضا في الله والغضب في الله، ولذلك فقد جاء في صحاح الاحاديث النبوية المروية من طرق الفريقين ان الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) يغضبان لغضب فاطمة ويرضيان لرضاها (صلوات الله عليها).

و الغضب الممدوح هو ما كان لله عزوجل وللحق وللحرمات ومثل هذا الغضب هو من العوامل التي تحفظ الحياة الطيبة، اذ أن أثره العملي هو الشدة والحزم في دفع ما يسيء اليها من هتك الحرمات وارتكاب المعاصي ولذلك وصف القرآن الكريم الاتباع الصادقين للنبي الاكرم (صلى الله عليهم وآله) بأنهم «أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ» كما في آخر سورة الفتح؛ وقال الامام علي (عليه السلام) كما ورد في كتاب (خصائص الائمة) للشريف الرضي: (من أحد سنان الغضب لله قوي على قتل اشداء الباطل)، من هنا فان الغضب الذي يأمرنا حبيبنا المصطفى بان نطلب من الله عزوجل ان يصرفه عنها هو الانفعال الشديد الذي يجرنا الى الوقوع في الباطل وفيما لا يرضاه الله عزوجل ويعكر صفو الحياة الطيبة.

ايها الاخوة والاخوات، عند نتأمل في الآيات الكريمة ۱٥۰ الى ۱٥٤ من سورة الاعراف نحصل على اشارة مهمة في بيان سر التأكيد النبوي على الاستعاذة بالله عزوجل من الغضب، نقرأ في الآيات قول الله اصدق القائلين: «وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِيَ أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الألْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ الأعْدَاء وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ، قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ، وَالَّذِينَ عَمِلُواْ السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُواْ مِن بَعْدِهَا وَآمَنُواْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ، وَلَمَّا سَكَتَ عَن مُّوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ».

صدق الله العلي العظيم، وتلاحظون هنا - مستمعينا الافاضل- ان غضب كليم الله موسى (على نبينا وآله وعليه أفضل الصلاة والسلام) كان غضباً لله عزوجل لان بني اسرائيل عبدوا العجل بعدما ذهب موسى لميقات ربه، لكن هذا الغضب لله واوقع كليم الله فيما لا ينبغي له أن يفعله وهو ألقاء الألواح والأخذ برأس أخيه هارون، ثم ندمه على ذلك وطلبه المغفرة له ولأخيه من الله عزوجل.

وفي ذلك تنبيه قرآني الى ان حتى الغضب الممدوح لا ينبغي للمؤمن أن يستسلم له خشية من ان يجره الانفعال النفسي الى الوقوع فيما لا ينبغي له وما يندم على فعله حتى لو لم يكن معصية الا انه يمكن ان يحجبه عن الخير، ولذلك لم يستطع هذا النبي الكريم ان يأخذ الالواح الالهية التي فيها الهدى والرحمة الا بعد ان سكت عنه الغضب كما تصرح بذلك الآية الكريمة ۱٥٤ من الآيات المتقدمة من سورة الاعراف.

من هنا تدرك بوضوح ضرورة اهتمام المؤمن ان يضبط حتى الغضب الممدوح ولا يسمح له بان يجره الى الانسياق وراء غليان النفس بعيداً عن التعقل والسكينة.

مستمعينا الاطائب من هنا أكدت النصوص الشريفة ان الغضب قد يعمي الانسان عن رؤية الحق والحقيقة ويوقعه بالتالي فيما يسبب الندامة والحسرة الطويلة كما عرفتنا بالامور التي تعين الانسان على السيطرة عليه وعدم السماح له بالخروج بصاحبه عن الحق، وهذا ما سنتناوله بشيء من التفضيل بأذن الله في الحلقة المقبلة من برنامجكم (ينابيع الرحمة).

نشكر لكم طيب المتابعة ولكم دوماً من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران خالص الدعوات. دمتم بألف خير.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة