البث المباشر

شرح فقرة: "وأسالك بالأسماء التي تجليت بها للكليم على الجبل العظيم..." (۱)

الأحد 3 أكتوبر 2021 - 17:26 بتوقيت طهران

إذاعة طهران- ينابيع الرحمة: الحلقة 23

 

بسم الله الرحمن الرحيم وله عظيم الحمد وخالص الثناء اذ وفقنا لمعرفة ومودة كنوز رحمته الكبرى للعالمين سادة الخلائق اجمعين المصطفى الامين محمد وآله الطيبين الطاهرين صلوات الله عليهم اجمعين.

السلام عليكم اخوتنا المستمعين، اطيب تحية مفعمة برحمة الله وبركاته يسرنا ان نحييكم بها في مطلع لقاء اليوم من هذا البرنامج نتابع فيه استلهام دروس التوحيد العملي الخالص من دعاء الحجب او الاحتجاب الشريف، وقد انتهينا الى المقطع الرابع منه، وفيه يعلمنا نبينا الاكرم الهادي المختار صلى الله عليه وآله الاطهار ان نتوجه الى الله جل جلاله في توسلنا اليه باسمائه الحسنى فنقتدي به (صلى الله عليه وآله) حيث يقول: (واسالك بالاسماء التي تجليت بها للكليم على الجبل العظيم فلما بدا شعاع نور الحجب من بهاء العظمة خرت الجبال متدكدكة لعظمتك وجلالك وهيبتك، وخوفا من سطوتك راهبة منك، فلّا إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ فلّا إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ فلّا إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ).

ايها الاكارم، في المقطع الثالث من هذا الدعاء الشريف يعلمنا حبيبنا سيد الرسل (صلى الله عليه وآله) ان نتوسل الى الله عزوجل ونساله لنيل ما نطلبه منه باسمائه الحسنى بكلا قسميها الظاهرة التي سمى بها نفسه وانزلها في كتابه، والباطنة المستاثرة في علم الغيب عنده، اي حقائق اسمائه الملكوتية التي يثبتها في قلوب المنقطعين اليه فيوحدونه عقائدياً وقلبياً وسلوكياً باعلى مراتب التوحيد الخالص كما فصلنا الحديث عن ذلك في الحلقات السابقة.

وفي المقطع الرابع الذي استمعتم له قبل قليل يهدينا الهادي المختار (صلى الله عليه وآله) الى التوسل الى الله عزوجل بالاسماء الجلالية الحسنى التي تدك جبل النفس وهي ام الاوثان الداخلية التي تصدعن عبادة الله عزوجل، وباندكاك هذا الجبل العظيم تفتح امام الانسان آفاق البراءة من كل ما سوى الله عزوجل عقائدياً وقلبياً وسلوكياً ايضاً.

وبعد ذلك ياتي التوسل بالاسماء الجمالية الحسنى المشار اليها في المقطع الخامس من هذا الدعاء الشريف، لتكمل اثر البراءة مما سوى الله عزوجل بجذب الانسان الى رحاب الولاية الالهية والانقطاع اليه تبارك وتعالى.

ايها الاطائب، ان الآيات الكريمة والاحاديث الشريفة تصرح بأن اخطر الالهة التي تعبد من دون الله عزوجل هو (هوى النفس) ومنه تتفرع عبادة سائر الآلهة الشركية كالمال والجاه واسمعة والشيطان وغيرها، فهي آلهة يعبدها من اتبع هواه لانه يجد فيه ارضاءً لاهوائه ورغباته النفسية غير المشروعة.

والمستفاد من النصوص الشريفة ان اتخاذ الهوى الاهاً يعبد من دون الله تبارك وتعالى يوقع الانسان في الضلالة والعمى اي الانحراف عن الصراط الالهي المستقيم وكذلك العمى وعدم القدرة على رؤيته وذلك هو الخسران المبين.

قال الله تبارك وتعالى في الآية الخمسين من سورة القصص: «وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ».

ولذلك فان الآيات الالهية لا تجدي نفعاً مع عابد الهوى كما تشير لذلك الآيات ۱۷٥ الى ۱۷۷ من سورة الاعراف وهي تحكي قصة الحبر بلعم بن باعورا وكان من اعلم قوم موسى (عليه السلام) قال عز من قائل: «وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ، وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ، سَاء مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَأَنفُسَهُمْ كَانُواْ يَظْلِمُونَ».

وقال تبارك وتعالى في الآية ۲۳ من سورة الجاثية: «أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ».

ايها الاخوة والاخوات، وعلى ضوء ما تقدم يتضح ان الانسان مادام خاضعاً لعبودية الاهواء النفسانية فانه لن يستطيع ان يتلقي الفيض والعطاء الخاص الذي يطلبه من الله عزوجل في دعائه، لان هذه العبودية النفسانية الشركية تكون مثل الجبل العظيم الذي يمنع وصول الفيض الالهي اليه.

والذي يمكن الانسان من دك هذا الجبل العظيم هو سعيد للتعرف على اسماء الجلال الالهي فهي التي تعرف القلب بعظمة الله وجلاله وبهائه، فيرى النفس وكل اهوائها ورغباتها وتطلعاتها وشهواتها حقيرة صغيرة لا وزن لها مقابل الجلال الالهي والعظمة الربانية، وهذا هو معنى اندكاك جبلها العظيم.

ومن هنا نعرف - مستمعينا الافاضل- سر تقديم الدعاء التوسل الى الله عزوجل باسماء الجلال الالهي على اسماء الجمال الرباني المشار اليها في المقطع اللاحق، اذ ان تجليات اسماء الجلال الالهي على القلب هي التي تطهره من عبودية النفس وهواها، فاذا تطهر استعد لان تشرق عليه انوار المال الرباني التي بها يدرك جمال الله فيحبه وينجذب لعبادته التوحيديه الخالصة، وهذا هو المعنى المستفاد من تقديم شطر البراءة (لّا إِلَهَ) على شطر الولايه (الا الله) في كلمة التوحيد الطيبة.

اعزاءنا مستمعي اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران وبهذا ننهي حلقة اليوم من برنامجكم (ينابيع الرحمة)، في الحلقة المقبلة سنتناول بأذن الله الاصل القرآني الذي انطلق منه هذا المقطع من دعاء الحجب الشريف، لكم منا جزيل الشكر وفي امان الله.

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة