البث المباشر

شرح فقرة: "يا من استوجب الشكر بنشر سحائب نعمه..." (2)

الأحد 3 أكتوبر 2021 - 17:28 بتوقيت طهران

إذاعة طهران- ينابيع الرحمة: الحلقة 16

 

بسم الله الرحمن الرحيم وله الحمد والمجد ذي المن والاحسان والفضل والإنعام، اذ انعم علينا ان جعلنا من امة رحمته الكبرى للعالمين حبيبه الصادق الامين محمد وآله الطاهرين صلوات الله عليه وعليهم اجمعين.


السلام عليكم اعزاءنا المستمعين ورحمة الله وبركاته، اطيب تحية نهديها لكم في مطلع لقاء اليوم من هذا البرنامج، لنا فيه وقفة تاملية اخيرة، في المقطع الخاص باثارة روح شكر النعم الالهية في قلب الداعي، وهو المقطع الرئيسي الثاني من دعاء الحجب او الاحتجاب الذي رواه السيد ابن طاووس في كتاب (مهج الدعوات) حيث امرنا النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله) بالتوجه الى الله عزوجل به في الحاجات المهمة.


في هذا المقطع نثني على الله عزوجل قائلين: (اللهم ... يا من زين السماء بالنجوم الطالعة وجعلها هادية لخلقه، يا من انار القمر المنير في سواد الليل المظلم بلطفه، يا من انار الشمس المنيرة وجعلها معاشاً لخلقه، وجعلها مفرقة بين الليل والنهار بعظمته، يا من استوجب الشكر بنشر سحائب نعمه، ... يا اكرم الاكرمين).


ايها الاطائب، هذا المقطع يعرفنا باهم وابرز النعم الالهية التي انعم الله بها عزوجل على عباده، وهيا بها لهم اسباب الحياة الطيبة مادياً ومعنوياً وبذلك وجب عليهم شكره جلت نعماؤه.


ونقول اسباب الحياة الطيبة مادياً ومعنوياً، لاننا عرفنا من النصوص الشريفة ان للنجوم والكواكب والشمس والقمر مصاديق معنوية اهم من المصاديق المادية، وقد نقلنا في الحلقات السابقة نماذج من الروايات الشريفة الدالة على ذلك.


وفي هذا اللقاء ننقل لكم طائفة من الاحاديث الشريفة المبينة لاهم المصاديق المعنوية (لسحائب نعم الله) التي تحدثنا عن مصاديقها المادية في الحلقة السابقة.


والماء هو اهم النعم الالهية المادية ولذلك ذكرته الفقرة الاخيرة من مقطع الدعاء المتقدم بتعبير (سحاب النعمة)؛ والعلة واضحة اذ ان الله عزوجل جعل من الماء كل شيء حي حسب التعبير القرآني، وهذا من الحقائق العلمية الثابتة، فما هي مصاديقه المعنوية؟


ايها الاخوة والاخوات، في الاجابة عن السؤال المتقدم نقول: ان المستفاد من النصوص الشريفة هو ان الامام المعصوم والهادي بامر الله عزوجل والتمسك بولايته هو اسمى مصداق لنعمة (الماء) بمعناها المعنوي، وذلك لان التمسك بولايته هو التجسيد العملي الاكمل للتمسك بالقرآن الكريم والسنة المحمدية المباركة وبالتالي الفوز بالحياة المعنوية الطيبة.


والى هذا المعنى يشير مثلاً مولانا الامام موسى الكاظم (عليه السلام) في الحديث المروي عنه في تفسير البرهان للعلامة البحراني وغيره، حيث ساله الراوي عن تاويل الآية الكريمة الاخيرة من سورة الملك المباركة حيث قال عزوجل: «قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَن يَأْتِيكُم بِمَاء مَّعِينٍ»، فقال الامام الكاظم (عليه السلام): (تاويله: ان فقدتم امامكم فمن ياتيكم بامام جديد).


وهذا المصداق مقتبس من حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله) المروي في عدة من المصادر الحديثية السنية والشيعية ذكرها الشيخ محمد الريشهري في كتاب "اهل البيت في الكتاب والسنة"، انه (صلى الله عليه وآله) قال: (فضل اهل بيتي وذريتي كفضل الماء على كل شيء، بالماء يبقى كل شيء ويحيا كما قال ربي تبارك وتعالى: «وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ» (الأنبياء آيه۳۰)، وبمحبة أهل بيتي يستكمل الدين).


وقال العلامة الجليل السيد شرف الدين الحسيني في كتاب "تأويل الآية الظاهرة": (وجاء في الزيارة الجامعة لائمة اهل البيت (عليهم السلام) {غير المشهورة}: يا من حبهم كالماء العذب على الظماء).


ايها الاكارم، وتصرح الاحاديث الشريفة، بان ولاية محمد وآله الطاهرين صلوات الله عليه وعليهم اجمعين، هي اسمى مصاديق النعم الالهية ولذلك يسال الله عن حسن الاستفادة من الولاية. فمثلاً روي المحدث الجليل ابوجعفر البرقي في كتاب المحاسن عن ابي خالد الكابلي قال: دخلت على ابي جعفر الباقر (عليه السلام) فدعا بالغداء فاكلت معه طعاماً ما اكلت قط طعاماً انظف ولا اطيب منه، ... فقلت: جعلت ما رايت انظف منه قط ولا اطيب ولكني ذكرت الآية في كتاب الله «لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ».


فقال ابو جعفر الباقر (عليه السلام): (لا، انما تسالون عما انتم عليه من الحق).


وفي كتاب المحاسن ايضاً عن مولانا الامام الصادق (عليه السلام) قال ضمن حديث في معنى هذه الآية: (الله اكرم واجل من ان يطعمكم طعاماً فيسوغكموه ثم يسالكم عنه، ولكنه انعم عليكم بمحمد وآل ومحمد (صلى الله عليه وآله)).


وفي كتاب عيون اخبار الرضا (عليه السلام) ضمن حديث ان احد فقهاء البلاط العباسي قال له: (ان النَّعِيمِ في آيه «ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ» هو الماء البارد، فقال الرضا (عليه السلام) وقد علا صوته: (كذا فسرتموه انتم وجعلتموه على ضروب، فقالت طائفة هو الماء البارد، وقال غيرهم: هو الطعام الطيب وقال آخرون: هو النوم الطيب، ولقد حدثني ابي عن ابيه ابي عبدالله الصادق (عليه السلام) ان اقوالكم هذه ذكرت عنده في قول الله تعالى «ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ»، فغضب (عليه السلام) وقال: ان الله عزوجل لا يسال عباده عما تفضل عليهم به ولا يمن بذلك عليهم والامتنان بالانعام مستقبح من المخلوقين، فكيف يضاف الى الخالق عزوجل ما لا يرضى المخلوق به؟ ولكن النعيم حبنا اهل البيت وموالاتنا يسال الله عنه بعد التوحيد والعبد اذا وفا بذلك اداه الى نعيم الجنة الذي لا يزول).


وكذلك الحال اعزاءنا مع نعمة الطعام المادي فلها مصداق معنوي هو العلم الديني الذي ينبغي ان ياخذه الانسان من مصادره النقية اي ثقلي الهداية القرآن والعترة، روى المحقق الفيض الكاشاني في تفسير الصافي عن امامنا الباقر في قول عزوجل: «فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ»، قال (عليه السلام): (اي علمه الذي ياخذ عمن ياخذه).


انتهى احباءنا لقاء اليوم من برنامجكم (ينابيع الرحمة) استمعتم له من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران شكراً لكم وفي امان الله.

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة