البث المباشر

شرح فقرة: "واشتهر بالتجبر في قدسه..."

الأحد 3 أكتوبر 2021 - 17:32 بتوقيت طهران

إذاعة طهران- ينابيع الرحمة: الحلقة 8

 

بسم الله وله الحمد ملاذ المضطرين ومجيب دعوات السائلين وكعبة آمال الطالبين تبارك وتعالى أرحم الراحمين، وأزكى صلوات على أبواب رحمته للعالمين المصطفى الأمين وآله الطاهرين.

سلام من الله عليكم أيها الأحبة، أهلاً بكم في حلقة جديدة من هذا البرنامج نستضيء بعبارة أخرى من المقطع الأول من الدعاء المبارك المعروف بدعاء الحجب أو الاحتجاب، والذي علمه نبي الرحمة (صلى الله عليه وآله) للمؤمنين لكي يلتجئوا به الى القدير العزيز جل جلاله للفوز بحاجاتهم للدنيا والآخرة؛ وهو من أهم أدعية أهل البيت (عليهم السلام) التي حرص أهل المعرفة على المواظبة على تلاوته لكثرة وعظمة آثاره المباركة.

جاء في المقطع الأول من هذا الدعاء:

(اللهم إني أسألك يا من احتجب بشعاع نوره عن نواظر خلقه، يا من تسربل بالجلال والعظمة واشتهر بالتجبر في قدسه، يا من تعالى بالجلال والكبرياء في تفرد مجده، يا من انقادت الأمور بأزمتها طوعاً لأمره، يا من قامت السماوات والأرضون مجيبات لدعوته).

بلغ بنا الحديث مستمعينا الأكارم الى عبارة (واشتهر بالتجبر في قدسه)، فما الذي نستلهمه منها؟ للإجابة ينبغي أن نعرف أولاً معنى (التجبر) قال الشيخ الصدوق في كتاب التوحيد ضمن بيان معاني الأسماء الإلهية: (الجبار معناه القاهر الذي لاينال، وله التجبر والجبروت أي التعظم والعظمة) وقال الراغب الإصفهاني في كتاب المفردات في غريب القرآن عن هذا الإسم: (قيل سمي بذلك من قولهم جبرت العقير [أي المعفر بالتراب كناية عن المسكنة] لأنه تبارك وتعالى هو الذي يجبر الناس أي يقهرهم على ما يريده ... وليس ذلك بمنكر فإن الله تعالى قد أجبر الناس لهم منها حسبما تقتضيه الحكمة الإلهية ... وعلى هذا الحد وصف -تعالى بالقاهر وهو لا يقهر إلا على ما تقتضي الحكمة أن يقهر عليه).

وعندما نرجع الى القرآن الكريم نجد أن الله تبارك وتعالى مدح نفسه في مقام واحد بوصف الجبار فقال في الآية الثالثة والعشرين من سورة من سورة الحشر «هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ».

وفي المقابل ذمّ التجبّر في الخلق في عدة مواطن كقوله عزوجل في الآية ٥۹ من سورة هو: «وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُواْ أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ». فما الذي نستفيده من ذلك؟

لا يخفى عليكم مستمعينا الأفاضل أن التجبر بمعنى جبر القلوب المنكسرة بالنعم والإعانة صفة ممدوحة لا مجال لتصور الذم فيها سواءً كانت في الخالق عزوجل أو في المخلوق، لذلك لا يمكن أن يكون هذا المعنى هو المقصود في الذم القرآني للتجبر في الخلق.

أما المعنى الثاني من التجبر - أي القهارية- فهو ممدوحٌ في الخالق على نحو الإطلاق لأن قهاريته لا تكون إلا عن حكمة وفي مصلحة الخلق، ومنشؤها القدس الإلهي المطهر من كل ذم كما تشير لذلك تتمة العبارة وهي (التجبر في قدسه) أما في الخلق فهذا النوع من التجبر مذموم إذا إقترن بالظلم والجور وإتباع الهوى وإذلال الآخرين بلا حق وسلب اختيارهم دون مسوغ شرعي.

أما إذا كان بمعنى قهر الأسباب الطبيعية وتطويعها لإرادة الإنسان لما فيه مصلحته والمجتمع، أو قهر وإجبار المجرم على تحمل العقاب مثلاً فهذا مما لا سبيل لذمه لانه من مصاديق العدل.

وبعد هذه التوضيحات القرآنية نعود الى عبارة الدعاء التي تصف الله عزوجل بأنه (إشتهر بالتجبر في قدسه)، فنفهم منها أمرين يرتبطان بغرض الدعاء الأساس وهو تقوية يقين الداعي الملتجىء الى الله جل جلاله بأستجابة دعائه.

الأمر الأول: هو أن الله هو المشتهر المعروف بالتجبر أي بأغاثة القلوب المنكسرة وأعانة السائلين وإنقاذهم في المسكنة. والى هذا المعنى يشير الحديث القدسي المنقول في كتاب مهذب الأحكام وغيره أن موسى الكليم (عليه السلام) ناجى ربه الجليل قائلاً:

إلهي اين أجدك؟

فأوحى الله تعالى اليه: (أن عند القلوب المنكسرة)، وجاء في حديث قدسي ثان قوله جل جلاله: (إني أحب القلوب المنكسرة).

ومن هذا الأمر نفهم أن مما يقرب الداعي الى نيل امنيته هو أن يدعو الله عزوجل بقلب منكسر يستشعر شدة الحاجة الى الله عزوجل في إستجابة ما يطلبه منه تبارك وتعالى.

والأمر الثاني: هو المستفاد من المعنى الأخر للتجبر الإلهي أي قهاريته المطلقة لجميع الأسباب والمخلوقات، وهذا يفتح أوسع أبواب الأمل بتحقق ما يطلبه الداعي مهما كان صعباً في نظره، لأن من يدعوه هو الجبار الذي يطوع كل الأسباب وكل المخلوقات لإرادته، تبارك وتعالى أرحم الراحمين.

وختاماً نشير مستمعينا الأفاضل الى أن في تقييد عبارة الدعاء للتجبر الإلهي بقيد (في قدسه) إشارة لطيفة الى المعاني المتقدمة التي تبعد عن ذهن الداعي كل أثر من تداعيات التجبر المذموم وتفعم قلبه بأنوار التجبر الإلهي المفعم بكل خير ورحمة، قال إمامنا زين العابدين (عليه السلام) في مناجاة المحبين من المناجاة الخمسة عشر: (اللهم يا من أنوار قدسه لأبصار محبيه رائقة ... أسألك حبك وحب من يحبك وحب كل عمل يوصلني الى قربك يا مجيب يا أرحم الراحمين).

نشكر لكم أيها الأكارم طيب الإستماع لحلقة اليوم من برنامجكم (ينابيع الرحمة) قدمناها لكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران. لكم منا خالص الدعوات وفي أمان الله.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة