البث المباشر

شرح فقرة: "اللهم اني أسألك يا من احتجب بشعاع نوره عن نواظر خلقه" 1

الأحد 3 أكتوبر 2021 - 17:36 بتوقيت طهران

إذاعة طهران- ينابيع الرحمة: الحلقة 4 من شرح ادعية النبي الاكرم (ص).

 

بسم الله وله الحمد والثناء والفضل المبين كعبة آمال السائلين ومجيب دعوة المضطرين تبارك وتعالى أرحم الراحمين وأزكى صلوات المصلين على ينابيع رحمته للعالمين حبيبه المصطفى الأمين وآله الطيبين الطاهرين.

السلام عليكم أعزاءنا المستمعين ورحمة الله، أطيب تحية نهديها لكم ونحن نلتقيكم بفضل الله في لقاء اليوم من هذا البرنامج، نستنير فيه معاً بأولى فقراء دعاء الحجب أو دعاء الاحتجاب الذي رواه السيد ابن طاووس (رضوان الله عليه) عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله)، وقد عده أهل المعرفة من أهم الأدعية المجربة في النجاة من الشدائد والبلايا والفوز بالمكرمات ببركة الإلتجاء به الى الله جلت قدرته ندعوه في مطلع هذا الدعاء قائلين:

(اللَّهُمَّ اني أسألك يا من احتجب بشعاع نوره عن نواظر خلقه، يا من تسربل بالجلال والعظمة واشتهر بالتجبر في قدسه، يا من تعالى بالجلال والكبرياء في تفرد مجده، يا من انقادت الأمور بأزمتها طوعاً لأمره، يا من قامت السموات والأرضون مجيبات لدعوته).

أيها الأطائب، كلمة (اللَّهُمَّ) تعني (يا الله)، وقد نقل علماء اللغة قول الخليل بن أحمد الفراهيدي (رضوان الله عليه) أن ياء النداء استبدلت ميماً وألحقت بآخر الكلمة فصارت اللَّهُمَّ، وهذا مما اختص بالنداء للفظ الجلالة ولا يجري مع غير الله جل جلاله.

ولم يذكر علماء اللغة تفسيراً لقلب ياء النداء ميماً واختصاص ذلك بالله عزوجل، إلا أن الملاحظ أنه كان قبل الاسلام وقد استخدمه القرآن الكريم في العديد من آياته الكريمة:

ويلاحظ أيضاً أن حرف النداء الياء يفيد مناداة البعيد وهذا أمرٌ وجداني مشهودٌ فضلاً عن التصريح به في كتب اللغة العربية؛ في حين أن استبدال ياء النداء بحرف الميم وجعلها في آخر لفظ الجلالة يزيل استشعار البعد من القلب ويشعره بأنه ينادي من هو قريب بل وأَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ، ولعل هذا هو سر اختصاص قلب ياء النداء ميماً بلفظ الجلالة واستخدام كلمة اللَّهُمَّ في الدعاء، وكان في ذلك إشارة تحفيزية لقلب الداعي الى كون من يدعوه وإن كان عالياً علياً متعالياًَ ينادى بحرف النداء يعلوه إلا أنه يناجى مناجاة القريب فهو أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ نفسه، وهذا ما تشير إليه آية الدعاء الشهيرة حيث يقول الله جل جلاله في الآية ۱۸٦ من سورة البقرة:

«وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ».

أيها الأخوة والأخوات، أما بالنسبة للفظ الجلالة (اللَّه)، فقد قال علماءاللغة نقلاً عن سيبويه أنه مشتق وأصله (إلاه)، أي المعبود الذي تأله إليه القلوب أي تتوجه اليه، ثم أدخلت عليه (ألف لام) العهد التي تفيد أنه هو وحده الجدير بالعبادة وأن تتوجه اليه القلوب بحبها والنفوس بحاجتها، ثم نقلت حركة الهمزه الى اللام وسقطت فبقي لفظ (الله)، فأسكنت اللام اللام الأولى وأدغمت وفخمت في اللفظ تعظيما كما جاء في كتاب مجمع البحرين للعلامة الشيخ فخرالدين الطريحي (رضوان الله عليه).

وهذا التركيب مختص بلفظ الجلالة لا يجري مع غيره كما هو الحال مع ابدال ياء النداء ميماً في كلمة (اللَّهُمَّ).

وقد إهتدى علماء اللغة الى هذا التفسير لمفردة لفظ الجلالة، بهداية أحاديث أهل مدينة العلم المحمدية (عليهم السلام)، فقد روي في كتاب الكافي مسنداً عن العبد الصالح هشام بن الحكم أنه سأل الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) عن أسماء الله وإشتقاقها فقال: الله مما هو مشتق، فأجاب الصادق:

(يا هشام، الله مشتقٌ من (إلاه)، والإله يقتضي مألوهاً والأسم غير المعنى فمن عبد الإسم دون المعنى فقد كفر ولم يعبد شيئاً ... إن لله تسعة وتسعين إسماً، فلو كان الإسم هو المسمى لكان كل إسم منها إلاهاً ولكن الله معنى يدل عليه بهذه الأسماء وغيرها).

مستمعينا الأفاضل، الحديث الصادقي المتقدم هو من غرر النصوص الشريفة المبينة لحقيقة التوحيد الخالص، وستأتي بعون الله عزوجل توضيحات له ضمن الإستضاءة بالفقرات اللاحقة من هذا الدعاء المبارك، أما هنا فنشير الى الحقيقة التوحيدية المهمة المرتبطة بمعنى لفظ الجلالة (الله)، فكما لا حظتم في نص الحديث، جاء إشتقاق هذا اللفظ من مفردة (الإله)، وقول الإمام (عليه السلام) (والإله يقتضي مألوهاً) يشير الى أن وجود (الإله) الحقيقي بحد ذاته سبب لتأله وتوجد القلوب إليه، بمعنى أن على الخلق أن تتوجه بقلوبها في الدعاء والمسألة والطلب الى هذا الإله الذي يتوجه اليه الناس بدافع الفطرة السليمة.

وبعبارة أخرى فإن الله عزوجل قد جعل في الفطرة الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ما يجذبهم إليه ويدعوهم للتوجه اليه بأحتياجاتهم فهو تبارك وتعالى الغني المطلق القادر على تلبية إحتياجات خلقه جميعاً.

والى هذا المعنى يشير القرآن الكريم في الآيات ۳۱ الى ۳۳ من سورة ابراهيم حيث يقول:

«اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ، وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا».

مستمعينا الافاضل، من هنا كان (الله) وحده الجدير بأن يسأل من فضله ويتوجه إليه بالدعاء، وهذا ما سنفصل الحديث عنه بحول الله عزوجل وبمشيئته في الحلقة المقبلة من برنامجكم (ينابيع الرحمة)، يأتيكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران، لكم جزيل الشكر على طيب المتابعة ودمتم بألف خير.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة