البث المباشر

آثار سلامة السمع والبصر على حياة المؤمن شرح دعاء (اللهم واجعل الصحة والنور سمعي وبصري)

الأحد 21 يوليو 2019 - 15:53 بتوقيت طهران

نتابع حديثنا عن الادعية المباركة وما تتضمنه من نكات التعبير وبلاغته.. ومن ذلك ما حدثناكم عنه في لقاء سابق، حيث استشهدنا باحد الادعية، فيما ورد فيه: (اللهم واجعل الصحة والنور في سمعي وبصري، والجدة والخير في طرقي...)، وقد حدثناكم عن هذا المقطع من الدعاء اجمالاً، حيث قلنا ان السمع والبصر هما الحاستان الاكثر أهمية من سواهما من حيث الانتفاع بهما دنيوياً، وقلنا ايضاً ان التوسل بالله تعالى بان يجعل سمعنا وابصارنا في الصحة وفي النور يعني: سلامتهما من المرض كالعمى والصمم مثلاً ولكننا تساءلنا عن صلة ذلك بسلوكنا العبادي والانعكاسات المتنوعة على السلوك المذكور وهذا ما نبدأ بتوضيحه الآن...
اذا تجاوزنا التعبير او الفائدة الدنيوية لكل من البصر والسمع، واتجهنا الى القول بان المقصود منهما هو: الاستبصار او الوعي او الفهم حينئذ سيواجه قارئ الدعاء تعبيراً رمزياً يرتبط كما ـ كما قلنا ـ بوظيفتنا العبادية التي خلقنا الله تعالى من اجلها فالبصر والسمع هما الحاستان اللتان نستطيع من خلال الرؤية ومن خلال الاستماع ان نوظفهما في وظيفتنا العبادية المذكورة... ولنتحدث عن كل حاسة على حدة، ونقف اولاً عند حاسة السمع، فنقول: اذا قدر لنا ان نقرأ ما ورد من الاستشهاد بحاسة السمع والبصر، وكذلك جارحة النطق او اللسان في النصوص القرآنية الكريمة نجد ان الاستخدام الرمزي لها من الوضوح بمكان كبير... فمثلاً ان قوله تعالى بحق الكفار او المنافقين (صم بكم عمي) يرمز الى ان عدم سمعهم ليس هو فقدان الحاسة المذكورة بل هو عدم استماعهم لرسالة الاسلام التي جاء بها النبي(ص)... وهنا في الدعاء الذي نحدثكم عنه عندما نتوسل بالله بان يجعل سمعنا محتفظاً بصحته وبنوره فان المقصود من ذلك هو توظيف الحاسة المذكورة في ميدان الاستماع الى مبادئ الله تعالى والعمل بها وليس مجرد الاستماع اليها... فعندما نستمع الى قوله تعالى مثلاً: (لا يغتب بعضكم بعضاً) او (لا تصعر خدك للناس) او (تعاونوا على البر والتقوى).... فمعنى ذلك هو: ان نرتب اثراً على الاستماع المذكور فلا نمارس عملية "الغيبة"، ولا التكبر على الآخرين، وان نتعاون مع الآخرين بدلاً من التنافر.... وحينئذ تكون العبادة المتوسلة بالله تعالى بان يمنحنا صحة في اسماعنا أي ان نستخدمها في اداء وظيفتنا بالنحو المطلوب...
طبيعياً، لا مانع من الذهاب الى ان الصحة في الاسماع تنسحب على الصحة الحقيقية أي: عدم الصمم، وحينئذ فان الدعاء المذكور يظل مرشحاً باكثر من دلالة واحدة، وهذا هو احد طوابع اللغة الشرعية، أي: تنطبق اللغة على ما هو حقيقي وعلى ما هو رمزي فنكون بذلك قد توسلنا بالله تعالى بان يمنحنا الصحة البدنية والصحة العبادية.
لكن: قد يعترض احدنا فيقول: ان معنى الصحة هنا هو الصحة البدنية بدليل ان الدعاء المذكور توسل بالله تعالى بان يمنحنا الصحة ويمنحنا النور في السمع وحينئذ يكون "النور" هو المقصود من العبارة رمزياً وتكون عبارة "الصحة" هي المقصود من العبارة حقيقياً وللاجابة عن السؤال المذكور نقول: لا مانع من ذلك، وهذا هو ما قصدناه عندما قلنا ان العبارة الشرعية تحتمل اكثر من دلالة بمعنى انك بمقدورك ان تقول بان الدعاء التوسل بالله تعالى ان يمنحنا الصحة المادية والعبادية، ويمكنك ايضاً ان تستخلص الدلالة العبادية فحسب، فتكون عبارة الصحة هي الصحة العبادية وتكون عبارة النور هي الرمز للوعي الحاد وللفهم الاكثر استيعاباً لمبادئ الله تعالى...
وما قلناه عن حاسة السمع ينسحب على حاسة البصر ايضاً حيث يمكننا من جانب بان نتوسل بالله تعالى ان يجعلنا متمتعين بحاسة البصر من حيث الانتفاع بها في امورنا الدنيوية وان نستثمرها ايضاً في امورنا العبادية فنجمع بذلك عطاء الدنيا والآخرة... كما يمكننا من الجانب الآخر ان نستخلص الدلالة العبادية المتمثلة في النظر الى ابداع الله تعالى للسماوات والارض وما بينهما فنتعض بذلك ونستحضر عظمة الله تعالى وكذلك أي ما رسمه الله من الاحكام واوامر ونواهي ومن ثم استيعابها بعمق حيث يرمز النور ليس الى البصر المادي وحده بل البصر بمعنى البصيرة في اعمق مستوياتها... اذن امكننا ان نتبين بوضوح دلالة توسلنا بالله تعالى بان يمتعنا باسماعنا وابصارنا حيث ينبغي استثمار قراءتنا لهذا الدعاء وذلك بان نوظف هاتين الحاستين من اجل الممارسة العبادية والتصاعد بها الى النحو المطلوب.

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة