البث المباشر

الدعاء وتربية المؤمن على التوازن السلوكي

الأحد 21 يوليو 2019 - 15:37 بتوقيت طهران

نتابع حديثنا عن الادعية المباركة وما تتضمنه من النكات ودقائق المعنى، واساليب الخطاب ونحو ذلك ومن النماذج التي نعرض لها: ما ورد عن الامام الصادق(ع)، حيث اتجه الى الله تعالى بالتوسل الآتي: (أسألك السعة في الرزق، والزهد في الكفاف، والمخرج بالبيان من كل شبهة...) هذا المقطع من الدعاء وما يتقدمه ويتعقبه من التوسل ينطوي على جملة نكات نستهدف لفت نظرك اليها، حيث انها تتصل بمختلف انماط سلوكنا مع الذات ومع الاخر، ومع الطبيعة او البيئة التي نحياها، وقبل ذلك، مع الله تعالى بطبيعة الحال حيث ان العلاقة اساساً ينبغي ان تقوم مع الله تعالى بصفة ان الله تعالى خلق الجن والانس ليعبدوه، وبعد ذلك تقوم العلاقة بنحو ثانوي مع انفسنا، والاخر، والوجود وظواهره.
المهم الآن: نبدأ فنحدثك عن الدعاء المذكور، ونقف عند مقطعه القائل "أسألك السعة في الرزق والزهد في الكفاف"... طبيعياً حدثناك في لقاءات سابقة عن الرزق وعن الكفاف فيما لا حاجة الى الكلام عنهما، الا ان الجديد هنا هو ورود المتوسلين المذكورين في آن واحد أي السعة في الرزق والزهد في الكفاف حيث ان قارئ الدعاء قد يتساءل: اليس السعة في الزرق تعني: الرفاهية في الاستهلاك؟ وبكلمة اكثر وضوحاً: ان الشخصية الاسلامية اما ان تطلب رزقاً واسعاً او تقتنع بالكفاف أي الزهد، لذلك كيف يمكن ان بجمع بينهما؟ هذا ما ينطوي على نكتة دلالية، يحسن بنا ان نحدثك عنها...
اذن: لنتحدث:
نتساءل من جديد: هل يحسن بقارئ الدعاء ان يطلب من الله تعالى سعة الرزق وان يطلب الزهد او الكفاف؟ حيث ان السعة تعني الاشباع الكثير بينما الكفاف يعني الاشباع بقدر الحاجة ترى كيف نفسر ذلك؟
يمكننا ان نفسر ذلك بجملة امور، منها ان السعة في الرزق من الممكن ان تتناغم او تتلاءم مع الزهد، وذلك اذا اخذنا بنظر الاعتبار ان المعيار في التعامل هو: ان نستخدم الحاجة الاستهلاكية بقدر ما يتطلبه الموقف... فمثلاً: من الممكن ان يكون دخلنا الفردي من الكثرة بمكان وهو السعة في الرزق بحيث يكفينا الجزء القليل منه والباقي زائد عن الحاجة الفردية اوالعائلية... ولكن بمقدورنا ان ننفق الباقي منه في مساعدة الاخرين... وفي مثل هذه الحالة، نكون قد استهلكنا بقدر الكفاف وانفقنا في سبيل الله تعالى ما هو الزائد عن الحاجة...
وثمة تفسير آخر ... يمكننا ان نزهد بالمال مع كثرته بحيث لا نجعله "يستخدمنا" بل نستخدمه نحن، فيكون الاستهلاك حتى مع كثرته غير حاجز من تعاملنا مع المال، من خلال الشكر على نعم الله تعالى وقد ورد الحديث عن المعصومين عليهما السلام ان جزاء النعمة من الله تعالى هو الشكر.
وثم تفسير غير ما تقدم وهو ان التوسل المذكور يعني احد خيارين اولهما: السعة في الرزق والا اذا قتر الله تعالى علينا الرزق فليجعلنا زاهدين وهو ان نقنع بالكفاف أي بقدر سد الحاجة وبتعبير اكثر وضوحاً ان قارئ الدعاء اما ان يطلب من الله تعالى ان يوسع عليه رزقه حتى لا تلتاث عليه العيشة بصفة ان عدم السعة م الممكن ان تجعل الشخصية متوترة قلقة غير قادرة على ممارسة وظيفتها العبادية بالنحو المطلوب.
واذا كان لا مناص من عدم السعة في الرزق فالقناعة او الزهد مع الحاجات بقدر الكفاف أي: بقدر ما يسد الحاجة دون التطلع الى الرفاهية...
اذن: امكننا ان نتبين جانباً من النكات التي استخلصناها من مقطع الدعاء المذكور، أي المقطع المتوسل بالله تعالى بان يوسع في ارزاقنا، ويجعلنا زاهدين في الكفاف، والاهم عن ذلك هو: أن اقارئ الدعاء يتعين عليه في حالة سعة الرزق ان يشكر الله تعالى وينفق الزائد في مساعدة الآخرين... وفي حالة عدم ذلك: ان يزهد بما لديه ويقنع بالكفاف... وهو امر يقتادنا الى ان ندرب ذواتينا على ذلك وان نمارس وظيفتنا العبادية، ونتصاعد بها الى النحو المطلوب.

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة