أما مكان ولادته فهو مدينة جده المنورة، في عهد خلافة الإمام أمير المؤمنين علي(عليه السلام).
فزمن ولادته هو: في خلافة عثمان(1). وقيل قبل قتل عثمان بسنتين(2).
وجاء أنه ولد بعد استشهاد الإمام علي أمير المؤمنين(3).
ولعل ما أورده الاصفهاني أضبط من غيره، مؤيداً بما أورده النسابة الكلبي ومصعب. حيث ذكرا أنه ولد قبل قتل عثمان بسنتين.. هذا وان للاصفهاني قرائن تؤكد ولادته حين ذلك وتؤكد معاصرته للإمام أمير المؤمنين، فمما قاله الأصفهاني: (وقد روى عن جده علي بن أبي طالب)(4).
لكنه لم يسجل لنا بعضاً مما رواه علي الأكبر عن جده، لضيق الوقت - كما قال الإصفهاني - أو لعدم المناسبة في ذلك الموضوع.
أما فيما يتعلق بأخبار ميلاده الأغر، فليس لدينا شيء منها، بيد أن هناك مجموعة روايات عن عائشة بصدد ميلاد علي الأكبر، فقد جاء بكتاب مطبوع حديثاً ان (لعائشة روايات كثيرة حول تولده (عليه السلام)(5)، ولم يورد الكتاب بعض تلك الروايات والذي يبدو أن تلك المجموعة من الأخبار والروايات ليست موجودة أو مدونة، وانما هي مجرد إشارات ينوهون بها فقط.
والده
من ذا الذي يجهل والد سيدنا علي الأكبر، كلنا يعرفه، وكلنا يجهله، نعرفه بالاسم وببعض الأمور، ونجهل حقيقته الكاملة.
إن الإمام سبط الرسول الحسين بن علي صلوات الله عليهم، ليس أباً فحسب، وليس بمستوى الأبوة فقط، انه فوق ذلك المستوى بما يمثله من إشراف على الأُمة بكل أبنائها وبناتها، وبما يتبناه من قضايا أبناء الأمة ودينهم الإسلامي الحنيف في بعده المستقبلي.
ذلك هو الوالد والأب والمربي الصارم القويّ، معلم الأُمة، الذي أنجب للانعتاق والتحرير طاقات نورٍ متمثلةٍ بالشخصيات المضيئة التي اخترقت أستار الظلام عبر عصور الظلم والاضطهاد ووسط تفاقم الأوضاع..
أخذ الإمام الحسين عن جده(مدينة العلم) ثروة من العلم والحكمة، وثروة من السمات البالغة في السمو... أخذ الإمام الحسين عن أبيه (باب مدينة العلم) وافر العلوم والامتيازات، أبوه أمير المؤمنين عليّ الذي ارتشف من نفس منهل النبي (صلى الله عليه وعليهم أجمعين).. وراح الحسين بدوره يوزع ما عنده دون أن ينقص مخزونه أو ينضب ويفيض بما لديه على أولاده الأطهار والتابعين له بإحسان(وكل إناء بالذي فيه ينضح).
كان حسين رحيماً ورحمة للمؤمنين، فكان علي الأكبر يشاطر والده في هذه الخصوصية الرحمانية.
كان حسين قاسياً وقسوة على الكافرين والمنحرفين، فكان على الأكبر حليف والدهِ، صارماً لايلين.
كان حسين ثائراً وثورة يأبى الضيم عزيز النفس، وكان نجله مثله ولايختلف عنه شديد التمسك بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حريصاً جداً على الجهاد المصيري..
وكان الإمام الحسين حسيناً بجميع حسنيات الإسلام، وكان نجله علي الأكبر علياً رفيع المقام، يحذو حذو أبيه، حذو الحقائق بعضها وراء بعض.. ولو أن رجالاً وشباباً عاشوا مع الحسين(عليه السلام) بعض الوقت وبعض العمر لما انفكوا عن تأثيره الرسالي الخطير، فكيف يكون تأثر نجله به اذن؟ وكيف ستكون طبيعة الأثر والآثار وهو فلذة كبده، المنحدر من شامخ صلبه الطاهر؟ (ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ).
والدته
أما والدته فهي السيدة ليلى الثقفية، وهي عربية الأصل كما يوحي نسبها إلى بني ثقيف ذات الشهرة والصيت الذائع في الطائف وكل البقاع العربية..
السيدة ليلى هذه نالت من الإيمان والحظوة لدى الله سبحانه وتعالى بحيث وُفقت لأن تكون مع نساء أهل بيت النبوة، تعيش أجواء التقى والإيمان، وتعيش آلام آل الرسول وآمالهم، وتشاطر الطاهرات أفراحهن وأتراحهن، وقد ظفرت بتوفيق كبير آخر، حيث أضحت وعاءً لأشبه الناس طراً برسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)..
فهي امرأة رشيدة، جليلة القدر، سامية المنزلة، عالية المكانة، رفيعة الشرف في الأوساط الاجتماعية، كيف لا وهي زوجة سبط سيد المرسلين وسيد شباب أهل الجنة أبي عبد الله الحسين(عليه السلام).
أما والدة ليلى، فهي ميمونة بنت أبي سفيان بن حرب بن أمية، أي أن أبا سفيان يعد جداّ لليلى، بيد أن شوائب أمية لم تمس من ليلى أو تؤثر فيها، بقدر تأثير العنصر العربي الثقفي فيها.. ونسبتها هذهِ لبني أُمية كانت مسوغاً للجيش الأموي بكربلاء كيما يستميل علي الأكبر إلى جبهته بأسلوب مضحك هزيل وبمحاولة فاشلة، وسنقف عليها في القسم الثاني من هذه الدراسة المتواضعة.
مقتبس من كتاب (حياة علي الاكبر عليه السلام) - تأليف: محمد علي عابدين
1. انظر مقاتل الطالبيين لأبي الفرج الاصفهاني : ص 81 .
2. نسب قريش : ص 57
3. الإرشاد للشيخ المفيد .
4. مقاتل الطالبيين : ص 81 ط 2 بمصر سنة 1970 .
5. وسيلة الدارين - للسيد إبراهيم الزنجاني : ص 286 طبع ببيروت.