احاول في هذا النص، ان ادون ما لم يقال عنها تماماً، او ما لم يقارب بالشكل الذي اراه، او لم يفصل القول فيه كما ينبغي، او كان فهمه بطريقة مختلفة، وهي مجموعة مقاربات استند البعض منها الى النصوص، وبعض الى الوقائع، واخرى من مختصاتي التي أسأل الله سبحانه وتعالى بحق فاطمة العظيمة ان يتقبلها، وهي الآتي:
١- على الرغم من ان سلوك النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع ابنته يتوافق بشكل منطقي مع كمالية البعد العاطفي والانساني فيه من جهة، وكونها أوحديته ومدللته وابنة اعز زوجاته، ولعلو شخصها العظيم من جهة أخرى، إلا ان هناك جانباً آخراً، يتعلق بالرغبة العظيمة للنبي في الاستمرار والدوام وحتى المبالغة في البقاء حسياً قريباً من فاطمة، فهي صورة حسية لأعلى رتبة في جنة الخلد، بل في جنة محمد، وهي جنة من جنس يفوق جنس الجنان المبشر بها حتى اعلاها رتبة، إذ ان هناك مقاربة معرفية، ترى بأن الجنان والنيران ليست جزاءاً منفصلاً تقديرياً لأعمالنا، بل هي ذات اعمالنا، وبشكل ادق هي تجليات ذواتنا وصورتها المنعكسة، وبما ان ذات المصطفى وخصوصيته تعلو على جميع الوجود، بل وتتقدم برتب لا تدانيها او تقاربها رتب، فجنتها المنعكسة منها شيء مختلف عن كل الجنان، وكرامة للنبي وحباً له، كانت فاطمة من ذات الجنة (رائحة وخصوصية)، لذا فإن هذا الالتصاق المفرط بفاطمة وكل ما يتصل بها، وهذه المباشرة العجيبة والمداومة الغريبة منه عليه السلام على وصلها، رغم عظم المهمة التي يتحملها، أتت من هذه الجهة التي يجد في شم فاطمة وتقبيلها والنظر إليها، وجوداً مباشراً له في جنته ومنعكس ذاته التي هي الاحب إليه لانها الاقرب الى حبيبه العزيز الاعلى.
٢- قيل الكثير في المصادر والمدونات التاريخية وكتب السيرة، لأجل نفي وجود اية ذرية حية للنبي صلى الله عليه وآله وسلم غير فاطمة، وهو كلام صحيح قطعاً، فلا ولد ولا بنت له حي غير فاطمة، ومع ان الثبت التاريخي كافياً في هذا النفي إلا هناك مقاربة مختلفة للموضوع ترى، أن ضرورة انحصار ذرية النبي في واحد وبنت على وجه الخصوص لطبيعة مهمة خاصة ينبغي ان تقوم بها ذرية النبي، وهي المهمة العظيمة التي توجت بها الزهراء، وفي ذات السياق من غير المنطقي الحديث عن خيارات تزويج لفاطمة بغير علي ولا لعلي بغير فاطمة، فهناك ضرورة لربط جيني بين نهاية حبل النبوة وبداية حبل الأمامة، وهما قوسان صاعدان لا بد ان يكتملا في حلقة متممة من جنسهما (طهارة ومعرفة ويقيناً وكمالاً)، وهي امور لا تليق لاحد إلا لفاطمة، كما ان ضرورة هذا الربط لم تكون موجودة إلا في النبوة الخاتمة والامامة المتممة، ويتصل بذات الامر، كونها صلة الوصل بين النبي الخاتم والولي الخاتم، واي تصور للربط عبر اي شكل من أشكال الاتصال المعنوي او الحسي لا يمكن ان ترق الى صورة الربط عبر فاطمة، لذا هي في طول السلسلة الذهبية الممتدة من النبي حتى القائم، وهي الحلقة الوحيدة المنصفة الى جزئين، جزء من جنس النبوة وآخر من جنس الامامة.
٣- تمحلت الكثير من المقاربات، ان تستنطق بعضاً من سلوك الزهراء عليها السلام في الفضاء العام مثل خطابها الذي وجهته لأبي بكر، على اساس انها اجازة او دافع لوجود المرأة المباح في هذا الفضاء، على الرغم من انها حددت الصورة المثالية بقولها (لا ترى اجنبي ولا يراها اجنبي)، والحقيقة ان الزهراء غير معنية تماماً بهذا الامر، وانما هي عملية حسية لمفاد رؤية الاسلام الحق في المرأة لجهة كمالها الايماني وتمامه، فهي في رتبتها الايمانية ووعيها التوحيدي ومقامها المعرفي على حد سواء مع خط النبوة والامامة، مع ان هناك خصوصيات تكوينية تتعلق بوظيفتها في السلم الحياتي تحول دون قيامها بوظائف النبوة والامامة، لا لجهة نقص كمالي في شخصها حاشاها وليس كما يقال من نقص العقول والايمان، بل يتعلق الامر بخصوصية الدور والوظيفة، وباختصار فان فاطمة هي تجسيد حي لصورة الانسان الكامل في ظل الولاية الالهية الخاصة.
٤- تنسب كل الطرق والمناهج الصوفية والعرفانية بنوتها الى الامام علي عليه السلام، بوصفه المعلم الاكبر والاب الروحي لكل مناهج المعرفة الالهية الخاصة، وهي نسبة صحيحة، فمحمد وعلي عليهما السلام أبوا هذه الامة بنص رسول الله، واحدهما أب العام فيها، والآخر صاحب الابوة الخاصة، ومع كل ذلك لم يتحدث أي منها (أي المسالك) عن الامومة الخاصة، وكأن الانسان الكامل من أب بدون أم، غير ملتفتين أن اكمل واجمل الخلق والمصداق الاوضح للانسان الكامل أمه الزهراء عليها السلام، ففاطمة بالنص النبوي أم أبيها، وهذه الأمومة ليست مقتصرة على ما يتم طرحه كتفسير لهذه الكلمة بأنها بمثابة الام التي عوضت فقد النبي لأمه، بل هي الأم الكمالية، وهي أيضا أم علي عليه السلام، فهي أم أب علي الكمالي عليهما السلام، وهذه الخصوصية ممنوحة لها بوصفها مستودع السر الألهي وخزانته، لذا فإن الوصول الكامل التام يحتاج إلى أمومتها كما هي حاجته لأبوة علي عليه السلام.
أسأل الله بحق فاطمة العظيمة ان يرزقنا شفاعتها التي لن ترد.
د.نعمه العبادي