البث المباشر

الخطبة ۱٦٥: وفيها يذكر عجيب خلقة الطيور وخلقة الطاووس وصغار المخلوقات وفيها يصف الجنة

الإثنين 5 نوفمبر 2018 - 09:53 بتوقيت طهران

خلقة الطيور: اِبْتَدَعَهُمْ خَلْقاً عَجِيباً مِنْ حَيَوَانٍ ومَوَاتٍ، وسَاكِنٍ وذِي حَرَكَاتٍ، وأَقَامَ مِنْ شَوَاهِدِ اَلْبَيِّنَاتِ عَلَى لَطِيفِ صَنْعَتِهِ، وعَظِيمِ قُدْرَتِهِ، مَا اِنْقَادَتْ لَهُ اَلْعُقُولُ مُعْتَرِفَةً بِهِ، ومَسَلِّمَةً لَهُ، ونَعَقَتْ فِي أَسْمَاعِنَا دَلاَئِلُهُ عَلَى وَحْدَانِيَّتِهِ، ومَا ذَرَأَ مِنْ مُخْتَلِفِ صُوَرِ اَلْأَطْيَارِ، اَلَّتِي أَسْكَنَهَا أَخَادِيدَ اَلْأَرْضِ، وخُرُوقَ فِجَاجِهَا، ورَوَاسِيَ أَعْلاَمِهَا،

مِنْ ذَاتِ أَجْنِحَةٍ مُخْتَلِفَةٍ، وهَيْئَاتٍ مُتَبَايِنَةٍ، مُصَرَّفَةٍ فِي زِمَامِ اَلتَّسْخِيرِ، ومُرَفْرَفَةٍ بِأَجْنِحَتِهَا، فِي مَخَارِقِ اَلْجَوِّ اَلْمُنْفَسِحِ، واَلْفَضَاءِ اَلْمُنْفَرِجِ، كَوَّنَهَا بَعْدَ إِذْ لَمْ تَكُنْ فِي عَجَائِبِ صُوَرٍ ظَاهِرَةٍ، ورَكَّبَهَا فِي حِقَاقِ مَفَاصِلَ مُحْتَجِبَةٍ، ومَنَعَ بَعْضَهَا بِعَبَالَةِ خَلْقِهِ أَنْ يَسْمُوَ فِي اَلْهَوَاءِ خُفُوفاً، وجَعَلَهُ يَدِفُّ دَفِيفاً، ونَسَقَهَا عَلَى اِخْتِلاَفِهَا فِي اَلْأَصَابِيغِ، بِلَطِيفِ قُدْرَتِهِ، ودَقِيقِ صَنْعَتِهِ، فَمِنْهَا مَغْمُوسٌ فِي قَالَبِ لَوْنٍ لاَ يَشُوبُهُ غَيْرُ لَوْنِ مَا غُمِسَ فِيهِ، ومِنْهَا مَغْمُوسٌ فِي لَوْنِ صِبْغٍ، قَدْ طُوِّقَ بِخِلاَفِ مَا صُبِغَ بِهِ.
 

الطاووس:
ومِنْ أَعْجَبِهَا خَلْقاً اَلطَّاوُوسُ، اَلَّذِي أَقَامَهُ فِي أَحْكَمِ تَعْدِيلٍ، ونَضَّدَ أَلْوَانَهُ فِي أَحْسَنِ تَنْضِيدٍ، بِجَنَاحٍ أَشْرَجَ قَصَبَهُ، وذَنَبٍ أَطَالَ مَسْحَبَهُ، إِذَا دَرَجَ إِلَى اَلْأُنْثَى، نَشَرَهُ مِنْ طَيِّهِ، وسَمَا بِهِ مظلاًّ عَلَى رَأْسِهِ، كَأَنَّهُ قِلْعُ دَارِيٍّ عَنَجَهُ نُوتِيُّهُ، يَخْتَالُ بِأَلْوَانِهِ، ويَمِيسُ بِزَيَفَانِهِ، يُفْضِي كَإِفْضَاءِ اَلدِّيَكَةِ، ويَؤُرُّ بِمَلاَقِحِهِ أَرَّ اَلْفُحُولِ اَلْمُغْتَلِمَةِ لِلضِّرَابِ، أُحِيلُكَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى مُعَايَنَةٍ، لاَ كَمَنْ يُحِيلُ عَلَى ضَعِيفٍ إِسْنَادُهِ، ولَوْ كَانَ كَزَعْمِ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّهُ يُلْقِحُ بِدَمْعَةٍ تَسْفَحُها مَدَامِعُهُ، فَتَقِفُ فِي ضَفَّتَيْ جُفُونِهِ، وأَنَّ أُنْثَاهُ تَطْعَمُ ذَلِكَ، ثُمَّ تَبِيضُ لاَ مِنْ لَقَاحِ فَحْلٍ، سِوَى اَلدَّمْعِ اَلْمُنْبَجِسِ، لَمَا كَانَ ذَلِكَ بِأَعْجَبَ مِنْ مُطَاعَمَةِ اَلْغُرَابِ، تَخَالُ قَصَبَهُ، مَدَارِيَ مِنْ فِضَّةٍ، ومَا أُنْبِتَ عَلَيْهَا مِنْ عَجِيبِ دَارَاتِهِ، وشُمُوسِهِ خَالِصَ اَلْعِقْيَانِ، وفِلَذَ اَلزَّبَرْجَدِ، فَإِنْ شَبَّهْتَهُ بِمَا أَنْبَتَتِ اَلْأَرْضُ قُلْتَ جَنَىً، جُنِيَّ مِنْ زَهْرَةِ كُلِّ رَبِيعٍ، وإِنْ ضَاهَيْتَهُ بِالْمَلاَبِسِ فَهُوَ كَمَوْشِيِّ اَلْحُلَلِ، أَوْ كَمُونِقِ عَصْبِ اَلْيَمَنِ، وإِنْ شَاكَلْتَهُ بِالْحُلِيِّ فَهُوَ كَفُصُوصِ ذَاتِ أَلْوَانٍ، قَدْ نُطِّقَتْ بِاللُّجَيْنِ اَلْمُكَلَّلِ، يَمْشِي مَشْيَ اَلْمَرِحِ اَلْمُخْتَالِ، ويَتَصَفَّحُ ذَنَبَهُ وجَنَاحَيْهِ، فَيُقَهْقِهُ ضَاحِكاً لِجَمَالِ سِرْبَالِهِ، وأَصَابِيغِ وِشَاحِهِ، فَإِذَا رَمَى بِبَصَرِهِ إِلَى قَوَائِمِهِ زَقَا مُعْوِلاً، بِصَوْتٍ يَكَادُ يُبِينُ عَنِ اِسْتِغَاثَتِهِ، ويَشْهَدُ بِصَادِقِ تَوَجُّعِهِ، لِأَنَّ قَوَائِمَهُ حُمْشٌ كَقَوَائِمِ اَلدِّيَكَةِ اَلْخِلاَسِيَّةِ، وقَدْ نَجَمَتْ مِنْ ظُنْبُوبِ سَاقِهِ صِيصِيَةٌ خَفِيَّةٌ، ولَهُ فِي مَوْضِعِ اَلْعُرْفِ قُنْزَعَةٌ خَضْرَاءٌ مُوَشَّاةٌ، ومَخْرَجُ عُنُقِهِ كَالْإِبْرِيقِ، ومَغْرَزُهَا إِلَى حَيْثُ بَطْنُهُ كَصِبْغِ اَلْوَسِمَةِ اَلْيَمَانِيَّةِ، أَوْ كَحَرِيرَةٍ مُلْبَسَةٍ مِرْآةً ذَاتَ صِقَالٍ، وكَأَنَّهُ مُتَلَفِّعٌ بِمِعْجَرٍ أَسْحَمَ، إِلاَّ أَنَّهُ يُخَيَّلُ لِكَثْرَةِ مَائِهِ وشِدَّةِ بَرِيقِهِ أَنَّ اَلْخُضْرَةَ اَلنَّاضِرَةَ مُمْتَزِجَةٌ، بِهِ ومَعَ فَتْقِ سَمْعِهِ خَطٌّ كَمُسْتَدَقِّ اَلْقَلَمِ، فِي لَوْنِ اَلْأُقْحُوَانِ، أَبْيَضُ يَقَقٌ، فَهُوَ بِبَيَاضِهِ فِي سَوَادِ مَا هُنَالِكَ يَأْتَلِقُ، وقَلَّ صِبْغٌ إِلاَّ وقَدْ أَخَذَ مِنْهُ بِقِسْطٍ، وعَلاَهُ بِكَثْرَةِ صِقَالِهِ وبَرِيقِهِ، وبَصِيصِ دِيبَاجِهِ ورَوْنَقِهِ، فَهُوَ كَالْأَزَاهِيرِ اَلْمَبْثُوثَةِ، لَمْ تُرَبِّهَا أَمْطَارُ رَبِيعٍ، ولاَ شُمُوسُ قَيْظٍ، وقَدْ يَنْحَسِّرُ مِنْ رِيشِهِ، ويَعْرَى مِنْ لِبَاسِهِ، فَيَسْقُطُ تَتْرَى، ويَنْبُتُ تِبَاعاً، فَيَنْحَتُّ مِنْ قَصَبِهِ اِنْحِتَاتَ أَوْرَاقِ اَلْأَغْصَانِ، ثُمَّ يَتَلاَحَقُ نَامِياً، حَتَّى يَعُودَ كَهَيْئَتِهِ قَبْلَ سُقُوطِهِ، لاَ يُخَالِفُ سَالِفَ أَلْوَانِهِ، ولاَ يَقَعُ لَوْنٌ فِي غَيْرِ مَكَانِهِ، وإِذَا تَصَفَّحْتَ شَعْرَةً مِنْ شَعَرَاتِ قَصَبِهِ، أَرَتْكَ حُمْرَةً وَرْدِيَّةً، وتَارَةً خُضْرَةً زَبَرْجَدِيَّةً، وأَحْيَاناً صُفْرَةً عَسْجَدِيَّةً، فَكَيْفَ تَصِلُ إِلَى صِفَةِ هَذَا عَمَائِقُ اَلْفِطَنِ، أَوْ تَبْلُغُهُ قَرَائِحُ اَلْعُقُولِ، أَوْ تَسْتَنْظِمُ وَصْفَهُ، أَقْوَالُ اَلْوَاصِفِينَ، وأَقَلُّ أَجْزَائِهِ، قَدْ أَعْجَزَ اَلْأَوْهَامَ أَنْ تُدْرِكَهُ، واَلْأَلْسِنَةَ أَنْ تَصِفَهُ، فَسُبْحَانَ اَلَّذِي بَهَرَ اَلْعُقُولَ عَنْ وَصْفِ خَلْقٍ جَلاَّهُ لِلْعُيُونِ، فَأَدْرَكَتْهُ مَحْدُوداً مُكَوَّناً، ومُؤَلَّفاً مُلَوَّناً، وأَعْجَزَ اَلْأَلْسُنَ عَنْ تَلْخِيصِ صِفَتِهِ، وقَعَدَ بِهَا، عَنْ تَأْدِيَةِ نَعْتِهِ.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة