أنا ابن علي الطهر من آل هاشم
كفاني بهذا مفخرا حين أفخر
وجدي رسول الله أكرم من مشى
ونحن سراج الله في الخلق نزهر
وفاطم أمي من سلالة أحمد
وعمي يدعى: ذو الجناحين جعفر
وفينا كتاب الله أنزل صادقا
وفينا الهدى والوحي بالخير يذكر
ونحن أمان الله للناس كلهم
نطول بهذا في الأنام ونجهر
ونحن حماة الحوض نسقي ولاتنا
بكأس رسول الله ما ليس ينكر
وشيعتنا في الحشر أكرم شيعة
ومبغضنا يوم القيامة يخسر
إخوتنا وأعزتنا المؤمنين..
إن من الوسائل الرحيمة التي استخدمها الإمام الحسين(عليه السلام) في هداية الناس أن عرف بأسرته ونفسه وأهل بيته، ليعلم الجاهل، ويرتدع المتمادي، ويفيق الغافل، ويؤوب إلى رشده من يخشى الله في آل رسوله.
عن الحكم بن عتيبة قال: لقي رجل الحسين بن علي بالثعلبية وهو يريد كربلاء، فدخل عليه، فسلم عليه، فقال له الحسين عليه السلام: من أي البلدان أنت ؟ فقال: من أهل الكوفة، قال: "يا أخا أهل الكوفة، أما والله لو لقيتك بالمدينة لأريتك أثر جبرئيل من دارنا، ونزوله على جدي بالوحي. يا أخا أهل الكوفة، مستقى العلم من عندنا، أفعلموا وجهلنا؟! هذا ما لايكون".
وتمضي الأيام.. فيكون يوم عاشوراء، وتكون للإمام الحسين(عليه السلام) خطبة في القوم الذين قدموا إليه ليقتلوه، فيعظهم، ثم يذكرهم قائلا: "أيها الناس، إنسبوني من أنا، ثم ارجعوا إلى أنفسكم وعاتبوها، وانظروا: هل يحل لكم قتلي وانتهاك حرمتي؟! ألست ابن بنت نبيكم، وابن وصيه وابن عمه وأول المؤمنين بالله، والمصدق لرسوله بما جاء من عند ربه؟! .. أو لم يبلغكم قول رسول الله لي ولأخي:هذان سيدا شباب أهل الجنة؟!".
وقام لسان الله يخطب واعظا
فصموا لما عن قدس أنواره عموا
وقال: انسبوني من أنا اليوم وانظروا:
حلال لكم مني دمي أم محرم؟!
فما وجدوا إلا السهام بنحره
تراش جوابا والعوالي تقوم
ومذ خر بالتعظيم لله ساجدا
له كبروا بين السيوف وعظموا!
وكانت للإمام الحسين(سلام الله عليه) خطب تضمنت دعوات إلى ترك الباطل والمبطلين، ورفض الظلم والظالمين، منها ما كانت في أصحاب
الحر في منزل(البيضة) وهو سلام الله عليه ماض إلى أرض كربلاء، حيث قال فيهم:(أيها الناس، إن رسول الله قال) "من رأى سلطان جائرا، مستحلا لحرام الله، ناكثا عهده، مخالفا لسنة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغير عليه بفعل ولا قول، كان حقا على الله أن يدخله مدخله ألا وإن هؤلاء قد لزموا الشيطان، وتركوا طاعة الرحمان، وأظهروا الفساد وعطلوا الحدود، واستأثروا بالفيء، وأحلوا حرام الله وحرموا حلاله، وأنا أحق ممن غير. وقد أتتني كتبكم، وقدمت علي رسلكم ببيعتكم أنكم لاتسلموني ولاتخذلوني، فإن أتممتم علي بيعتكم تصيبوا رشدكم، فأنا الحسين بن علي وابن فاطمة بنت رسول الله ، نفسي مع أنفسكم، وأهلي مع أهليكم، ولكم في أسوة..".
وبعد أن سمع أصحاب الضمائر كلمات أبي عبد الله الحسين، أيها الإخوة الأحبة، مالت قلوبهم إليه، فتركوا معسكر عمر بن سعد، لكنهم لم يرحلوا إلى أهاليهم، بل انظموا إلى معسكر الحسين وهم يعلمون أنهم يقتلون، وكيف لا وهم سبعون في مقابل ثلاثين ألفا! إلا أنهم تأثروا بخطب أبي عبد الله الحسين واهتدوا بهداه، فانضافوا إلى أصحابه ليلة عاشوراء وقد وجدوهم متبتلين مع إمامهم، متهجدين لربهم، ثم التحق الحر بن يزيد الرياحي يوم عاشوراء وقد رأى أن القوم عزموا على قتل الحسين بعد أن تأثر بكلمات الحسين وسيرة الحسين، فضرب فرسه ولحق بإمامه وقد قلب ترسه، ووضع يده على رأسه وهو يقول: اللهم إليك تبت فتب علي، فقد أرعبت قلوب أوليائك، وأولاد بنت نبيك. وقال للإمام الحسين(عليه السلام): إني قد جئتك تائبا مما كان مني إلى ربي، ومواسيا لك بنفسي حتى أموت بين يديك، أفترى لي توبة؟ فأجابه سيده الحسين: "نعم، يتوب الله عليك ويغفر لك".
فكانت من الحر توبة نصوح، وانتقال إلى الركب الحسيني، ثم كان من هدايته بالحسين أن توجه إلى عسكر عمر بن سعد فخطب فيهم قائلا لهم موبخا: يا أهل الكوفة لأمكم الهبل والعبر! إذ دعوتموه، حتى إذا أتاكم أسلمتموه، وزعمتم أنكم قاتلوا أنفسكم دونه، ثم عدوتم عليه تقتلونه! إلى آخر خطبته التي انتهت بأن حمل عليه الرجالة ترميه بالنبل، فأقبل حتى وقف أمام الحسين(عليه السلام)، ثم كانت للحر رضوان الله عليه حملات وجولات، قتل فيها من أعداء الحسين عشرات، فضج عسكر عمر بن سعد حتى نادى بالرماة والنبالة، فأحدقوا به من كل جانب، وهو واقف وقفة المستميت، ثم أخذ يكر عليهم راجلا، حتى قتلوه شهيدا على هدى من ربه، ورضى من إمام زمانه.. الذي انحنى عليه يمسح الدم والتراب عن وجهه ويقول له: "ما أخطأت أمك إذ سمتك حرا، أنت الحر في الدنيا والحر في الآخرة"، ثم استعبر(عليه السلام).
ولكن الحر كان على غاية من النشوة والسرور، ولسان حاله يفصح ويعرب: إني اهتديت بالحسين.
وكذلك كل أصحاب الحسين، إنما وفقوا لما وفقوا له بعد أن اهتدوا بالحسين.. صلوات الله وسلامه على الحسين.
وهكذا إخوتنا الأفاضل أصبح موقف سيد الشهداء(عليه السلام) يوم عاشوراء منارا إلهيا لايطفأ أبدا يهدي إلى الله وإلى نصرة دينه الحق طالبي الحق والهداية علي مرّ الأجيال.. ومنهم المفكر السوداني المعاصر المحامي محمد علي المتوكل الذي دون قصة إعتناقه مذهب مدرسة الثقلين في كتابه (ودخلنا التشيع سجدا) وفيه يذكر شدة تأثره بالملحمة الحسينية وهو يقرأ كتابا عن الإمام الحسين(عليه السلام).. وكان أن أوصله تفاعله الوجداني مع هذه الملحمة الخالدة إلى أن تسري في قلبه روح الحر الرياحي وسائر أنصار الحسين(عليه السلام) فامتلك شجاعة خوض رحلة الوصول للحق ونصرته.
يحدثنا الأستاذ محمد علي المتوكل في كتابه المذكور عن هذه النتيجة قائلا:(علمت).. أن علي أن أدافع عن قضية الحسين(عليه السلام) في مقابل الذين قتلوه والذين لازالوا يتحاملون عليه إلى اليوم.. وهكذا لم يعد بمقدوري أن أتراجع عن مشوار البحث.. وبات لزاما علي أن أميط اللثام عما خفي علي من حقائق.. وبذلك كانت بداية المشوار مع فتية امتلكوا الشجاعة الكافية لخوض غمار البحث والتسليم لنتائجه مهما كانت قاسية ومهما اصطدمت بالموروث وتعارضت معه.
إنتهى أحبائنا مستمعي اذاعة طهران، صوت الجمهورية الإسلامية في إيران الوقت المخصص لحلقة اليوم من برنامج(بالحسين اهتديت).. تقبل الله منكم طيب الإصغاء والمتابعة ودمتم في رعايته سالمين.