وقد قضت أزمة فيروس كورونا وما تبعها من إغلاق وهبوط كبير في أسعار النفط، على الأحلام الوردية للاقتصاد السعودي، وجعلت المواطنين السعوديين يعيشون في متاهة لا مخرج منها، خاصة بعد الإجراءات الحكومية الأخيرة التي ضاعفت ضريبة القيمة المضافة، وأخفضت العلاوات للموظفين في القطاع الحكومي بشكل كامل، بما ينعكس بشكل سلبي خطير على الاستهلاك، ويؤذي القطاع الخاص في البلاد.
فشل حكوميّ
تدعي الحكومة السعودية أنَّ الإنفاق الإجمالي للبلاد سيبقى على حاله وفقاً لميزانية 2020، أي حوالي تريليون ريال، بما يعادل (266 مليار دولار)، والمقلق في الأمر أن الاجراءات الحكومية تزيد طين الأزمة الاقتصادية بلة، فقد وصفت الكثير من المواقع الإخبارية، خطط ولي العهد محمد بن سلمان بالـ"فاشلة"، لعجزه عن إخراج الاقتصاد السعودي من دائرة النفط.
وبالنسبة لقرار زيادة ضريبة القيمة المضافة، فإنَّه يخرج المملكة العربية السعودية من حلبة المنافسة مع بقية الدول الخليجية، خاصة فيما يتعلق بجذب الاستثمارات الأجنبية، وقد اعتبر محللون اقتصاديون أنَّ السعودية تعيش أخطر فترة اقتصادية في تاريخها، وقد حذروا من التحولات الاقتصادية الجذرية، مشددين على أنَ قرارات السلطات السعودية تعتبر ضربة لقطاع التجزئة المنكوب أساساً.
أكثر من ذلك؛ انخفضت توقعات النمو لأكبر اقتصاد عربي، وللمرة الثانية خلال عدة أسابيع، بعد القرارات التي أعلن عنها وزير المالية السعودي "محمد الجدعان"، حيث خفضت مجموعة سامبا توقعات النمو في 2020 إلى 3.7%، ولم يتفائل محللون عند سؤالهم عن الانكماش الاقتصادي، وأشاروا إلى أن الهبوط المتوقع ربما يصل لأكثر من 5%.
تدهور اقتصاديّ
إنَّ الضربات التي يتلقاها الاقتصاد السعودي، جاءت بسبب انخفاض أسعار النفط بنسبة 50% نتيجة حرب الأسعار هذه السنة، والجميع يعلم أنَّ النفط هو التجارة الرابحة الوحيدة في السعودية بسبب الاعتماد الاقتصادي الكلي على الايرادات النفطية، ولم يستطع محمد بن سلمان بعد أربعة أعوام من خطته الاقتصادية، أن يغير من واقع الأمر شيئاً، بل أدخل البلاد في طريق مجهول مليء بالمشاكل المالية التي لم تعشها في أي مرحلة سابقة.
حيث انخفض احتياطي المملكة من العملة الأجنبية الضرورية للحفاظ على قيمة الريال أمام الدولار بـ27 مليار دولار في آذار/ مارس الفائت، ومع معاناة الاقتصاد السعودي من العجز في الميزانية، توقع صندوق النقد الدولي أن يضرب هذا العام نسبة 13% من الناتج الاجمالي، بالإضافة إلى قيام السعودية بزيادة ديونها المحلية والدولية حوالي 20 مليار دولار في نهاية 2019.
يعكس الوضع الاقتصادي في السعودية حجم التحديات الخطيرة التي تواجهها البلاد، حيث أنها لن تستطيع الصمود في التنافس مع بقية الدول الخليجية التي لديها مستوى متدن من ضريبة القيمة المضافة، وبنى تحتية أفضل، وتتمتع بحرية أكبر، كالإمارات مثلاً.
وأعلنت السعودية الاثنين المنصرم عن تخفيض مليون برميل بدءاً من حزيران/ يونيو، وبذلك سينخفض الإنتاج إلى 4.8 ملايين برميل يومياً، وقبل عدة أعوام لم يكن المواطن السعودي يعرف الضريبة، إلا أن نموذج عام 2014 الذي أدى لانهيار أسعار النفط أجبر ولي العهد على تغيير النموذج بعد صعوده إلى السلطة، وبناء على رؤية 2030 قطعت الحكومة الدعم وأضافت ضرائب جديدة.
في النهاية، من المؤكد أن القرارات المتشنجة وغير المدروسة لولي العهد السعودي، تشكل خطراً آخر على الاقتصاد السعودي، وتزيد احتمالية انتفاضة داخلية ربما تكون مواقع التواصل الاجتماعي منطلقاً لها، لأن هذه القرارات "غير الصائبة" كما يقول البعض، لن تحظى بتأييد شعبي، وهذا الموضوع ليس بتلك الأهمية بالنسبة لحكام المملكة، فما الضير بالنسبة لهم إن تضررت أحوال السعوديين الاقتصادية، لا انتخابات ستحدث، ولا رأي المواطن يهمهم، ولا سلطاتهم تتوقف عن إسكات أي صوت معارض في الداخل.
موقع الوقت التحليلي