اللهم لك الحمد حمد الشاكرين، والصلاة والسلام على النبي الخاتم محمد وآله..
إخوة الإيمان سلام الله عليكم ورحمته.. يسرنا أن نلتقيكم مجدداً في أخرى من برنامج نهج الحياة وتفسير آي أخر من سورة النمل المباركة، هذا أولاً تفسير الآية الرابعة والستين:
أَمَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ۗ أَإِلَـٰهٌ مَّعَ اللَّـهِ ۚ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴿٦٤﴾
تأتي هذه الآية الكريمة في سياق آيات عدة تقيم الحجة على المشركين بشأن وحدانية الله عزوجل من خلال نعمه على الخلق وتوفير مستلزمات الحياة لهم وإستجابته لدعاء المضطرين.
وفي هذه الآية إشارات الى نعمة بدء الخلق والمعاد وفتح أبواب الرزق للخلائق أجمعين ويختمها بطلب البرهان من المشركين على زعمهم بوجود شركاء لله سبحانه، ولأنهم لا يقدرون على ذلك إذ لا برهان إلا على توحيد الله، فعليهم أن يذعنوا لوحدانيته عزوجل.
فمن خصوصيات القرآن لدى مواجهته المخالفين والمعاندين، أن يدعوهم إقامة البرهان على ما يدعون وهذا ما يشير إليه الكثير من الآيات، والقرآن مثلما يفصح عن معارفه المعينة بالمبدأ والمعاد ويبينها جلية مدللة بالعقل والمنطق، يدعو المخالفين والمعاندين أيضاً الى التحدث بعقلانية لا بالحدس والهزل والتحقير وتهديد أهل الإيمان والتقوى.
أفهمتنا الآية:
- وجوب إنصاف المخالفين والمعاندين والإذعان لبراهينهم وما لهم من دلائل منطقية، بدل رفضها بذريعة أنها صادرة عن الأعداء.
- الله الرازق والواهب لما يحتاجه العباد كلهم من هواء وضياء وماء ينزله مطراً من السماء، وكذا من مأكل ومشرب وفاكهة وكسوة.
الآن نبقى مع الآيتين الخامسة والستين والسادسة والستين من سورة النمل المباركة:
قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّـهُ ۚ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ ﴿٦٥﴾
بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ ۚ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّنْهَا ۖ بَلْ هُم مِّنْهَا عَمُونَ ﴿٦٦﴾
بما أن المشركين لا يجدون ما يدل على نفي القيامة والحيوة بعد الموت، فإنهم ما انفكوا يطرحون هذا السؤال: أيان يوم القيامة؟
تجيب الآيتان عن هذا السؤال وتقولان رداً على شسبهات المعاندين:
هناك أمور تختص بالله وحده، لا يعلمها حتى الملائكة والأنبياء، بيد أن جهل زمن وقوع الحادث لا يعني عدم وقوعها، فما من الناس من يدري متى يموت، وإن كان الجميع يؤمن بالموت.
وكذا الحال بالنسبة للقيامة.. فإنها قضية مؤكدة وأمر محسوم، لكن أحد لا يدري متى.. وهذا لا يعني إنكارها أو التشكيك بها.
أفهمتنا الآيتان:
- إثارة الشبهة أو التشكيك في العقائد الدينية، هي من برامج ناكري المعتقدات الدينية بما فيها قيام الساعة.. ما يحتم على المسلمين التصدي لهذه المخططات ومواجهتها بالردود الصحيحة المستمدة من العقل والمنطق.
- الإيمان بالمعاد أو اليوم الآخر، كالإيمان بالمبدأ، من الأمور الغيبية لا تدرك بالحواس الخمسة وإنما تدرك بالعقل القادر على إثبات ذلك بالبراهين المنطقية.
والآن نستمع للآيات السابعة والستين الى التاسعة والستين من سورة النمل المباركة:
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ ﴿٦٧﴾
لَقَدْ وُعِدْنَا هَـٰذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِن قَبْلُ إِنْ هَـٰذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ ﴿٦٨﴾
قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ ﴿٦٩﴾
في ضوء المتقدم من الآيات التي أوعزت تشكيك ناكري يوم القيامة الى عدم إفصاح الأنبياء عن موعد يبين هذه الآيات، أن هؤلاء المنكرين يستدلون على إنكارهم بدعوى إستحالة آبائهم وأجدادهم بعد الموت تراباً ولم يتحقق هذا الوعد، على هذا فإنهم يحالون بعد الموت تراباً ولا يبقى منهم شيء ليحيوا الى الحيوة ثانية.
وعلى هذا يجيب القرآن صراحة وبوضوح بما مؤداه: في البدء كلكم كنتم تراباً ومن التراب خلقتم، فلا مانع إذاً أن تحيون ثانية بعد أن صرتم تراباً في عالم آخر، فعنادكم أنتم المشركون وعدم الإذعان لكلام الأنبياء الحق، سيبلونكم كغيركم من الأقوام السالفة بعذاب شديد في هذه الحيوة الدنيا. أقوام منهم القريب إليكم زماناً ومكاناً. فبادروا لنقلة تاريخية تتيح لكم الوقوف على عاقبة اولئك القوم وما آل إليه أمرهم.
ما تعلمناه من هذه الآيات:
- النظر الى الكتب السماوية بوصفها أساطير، كان سيرة المخالفين وأسلوبهم على مدى التاريخ، والمؤسف هو اليوم أيضاً هناك من يرى بدافع الجهل وعدم الوعي لمعارف السماوية السامية بأنها أسطورة لا تمت الى الحقيقة والواقع بصلة.
- إن القرآن الكريم، يدعو الناس لدراسة تاريخ الأقدمين ومن سبقهم من الأقوام والى اسير في الأرض والنظر في عاقبة المجرمين، فدراسة آثارهم توجب نمو الناس والنهوض بمستواهم التربوي والتهذيبي.
- وجوب المحافظة على آثار السلف، ليعتبر بها الأجيال اللاحقة.
وهكذا أيها الإخوة والأعزة وأخواتنا في الإيمان نأتي الى نهاية هذه الحلقة من برنامج نهج الحيوة.
على أمل اللقاء بكم في حلقة جديدة من البرنامج نستودعكم الله والسلام عليكم.