بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم لك الحمد حمد الشاكرين والصلاة والسلام على الحبيب محمد وآله الطاهرين.
إخوة الإيمان السلام عليكم وأهلاً بكم في حلقة أخرى من برنامج نهج الحياة وتفسير آي أخر من سورة النمل المباركة هذه أولاً الآيات من الخمسين الى الثالثة والخمسين:
وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ﴿٥٠﴾
فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ ﴿٥١﴾
فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴿٥٢﴾
وَأَنجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ﴿٥٣﴾
في الحلقة السابقة من البرنامج قلنا إن بعضاً من مخالفي النبي صالح عليه السلام قد تواطئوا على قتله، فتقاسموا على إشراك تسع قبائل في ذلك حتى يضيع دمه بين القبائل تلك، على هذا قرروا مهاجمة صالح وحسم أمره في الغار، حيث كان يقوم لله عابداً متهجداً بعيداً عن الأهل والخلان، لكن الله شاء دون ذلك، فانهار الجبل على رؤوس القوم الذين كانوا قد كمنوا لنبي الله، الى ذلك يشير قوله تعالى "ومكروا مكراً ومكرنا مكراً" أي: جازيناهم جزاء مكرهم بتعجيل عقوبتهم (وهم لا يشعرون) بمكر الله بهم فإنهم دخلوا على صالح ليقتلوه فأنزل الله سبحانه الملائكة فرموا كل واحد منهم بحجج حتى قتلوهم وسلم صالح من مكرهم، وقيل: إن الله أمر صالحاً بالخروج من بينهم ثم استأصلهم بالعذاب، وقيل أيضاً: إنهم نزلوا في سفح جبل ينظر بعضهم بعضاً ليأتوا صالحاً فخرّ عليهم الجبل.
أما قوله عزوجل (فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين) أي: أهلكناهم بما ذكرناه من العذاب، كما نزل القوم بأشياعهم بصيحة جبرائيل (فتلك بيوتهم) صارت مواضع عبرة فارغة (خاوية بما ظلموا) وأشركوا بالله تعالى، ثم قال عزوجل (وأنجينا الذين آمنوا) أي بالنبي صالح ومن معه (وكانوا يتقون) الشرك والمعاصي وهذا تبشير للمؤمنين بالإنجاء، إذ التقوى كالمجنّ للإيمان، وقد قال تعالى "والعاقبة للمتقين" سورة الأعراف الآية 128
أفادتنا الآيات:
- إن الله يجزي المؤمنين بإيمانهم ويحبط كيد الكافرين ويردهم الى غورهم خائبين خاسئين، إذ لا سلطان لهم على من آمن بالله ورسوله وعمل صالحاً.
- إن السنة الإلهية، هي غلبة الحق على الباطل، وإن كان للباطل جولة وقد يحقق أحياناً بعض النجاحات الظاهرية، ولكن غير الدائمة.. فالباطل خاوي البنيان وإن الباطل كان زهوقاً.
- وجوب المحافظة على الآثار التاريخية وتركة الأقوام السالفة لتكون عبرة للأجيال.
- الإيمان والتقوى آثار وفوائد لا تختص بالآخرة فحسب، فالمتقون يجنون في الدنيا ثمار أعمالهم.. وكذا الحال بالنسبة للظالمين فإنهم لا يعاقبون على ظلمهم في الآخرة فحسب، وإنما قد يروا الهذاب في هذه الدنيا أيضاً.
والآن نبقى مع الآيتين الرابعة والخمسين والخامسة والخمسين من سورة النمل المباركة:
وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ ﴿٥٤﴾ أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاءِ ۚ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ﴿٥٥﴾
ثم ذكر سبحانه قصة النبي لوط عليه السلام عطفاً على ما تقدم أي: قصة النبي صالح عليه السلام فإنها بالإجمال تروي تفوق كفة الإنذار على كفة التبشير، قوله تعالى "ولوطاً" أي: أرسلنا لوطاً "إذ قال" مستنكراً "لقومه" "أتأتون الفاحشة" وهي الفعل القبيح الشنيع، وكم من مرة أشار القرآن الى ذلك وخاصة الى ما يتعلق بقصة قوم لوط منبّهاً الى سوء عاقبة هذا العمل القبيح ليكون عبرة للأجيال اللاحقة..
الى ذلك، تقول الآية أيضاً "وأنتم تبصرون" أي: تعلمون أن أفعالكم هذه يا قوم فاحشة.. وقيل وأنتم يرى بعضكم ذلك من بعض، ثم بيّن سبحانه في الآية التالية الفاحشة التي يأتونها قائلاً (أئنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء) (بل أنتم قوم تجهلون) الإستفهام هنا للإنكار، ودخول أداتي التأكيد – إن واللام – على الجملة الإستفهامية للدلالة على أن مضمون الجملة من الإستبعاد بحيث لا يصدقه أحد، وفي ذلك غاية التقبيح لفعل هذه الفاحشة، وقوله: (بل أنتم قوم تجهلون) أي مستمرون على الجهالة بعواقب فعل الفاحشة.
أفهمتنا الآيتان:
- التصدي للمنكرات والقبائح الرائجة في المجتمع، من واجبات الأنبياء والرسل والمصلحين الإجتماعيين.
- الغريزة الجنسية من غرائز الإنسان أو حاجاته النفسية الطبيعية، لكن يجب الإستجابة لها وإرضاؤها بطريقة مشروعة أقرها خالق الكون، لا بالطرق المغاير للشريعة والمنحرفة عن الطريق الطبيعي القويم المسبب للكثير من التبعات والآفات الفردية والإجتماعية.
- الإنحرافات الجنسية مثل المثلية، ما يدل على الجهل والحمق وانعدام الفكر والعقل والمنطق وإن كانت تمارس حتى من قبل العلماء والمثقفين.
والآن نصغي وإياكم الى الآية السادسة والخمسين من سورة النمل المباركة:
فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ ۖ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ ﴿٥٦﴾
قوله عزوجل (فما كان جواب قومه) أي جواب قوم صالح على مقولته المتسمة بالعقل والمنطق والأدلة والبراهين (إلا أن قالوا) بدافع الجهل وبمنتهى الوقاحة واللاأخلاقية وانعدام الأدب (أخرجوا آل لوط من قبيلتكم أنهم أناس يتطهرون) أي: يتنزهون عن فعل الفواحش والهدف من إخراجهم هو أن يأمن أهل ذلك الفعل القبيح من إزعاج المعترضين على فعالهم.
نعم، عندما تشيع الخطيئة ويعم الفساد، يعد الطهر والنزاهة والعفاف جريمة يعاقب عليها بالنفي والسجن.. مثلما أودع شاب ورع كيوسف النبي عليه السلام السجن سنين طويلة لعدم تعاونه مع الفاسقين وتجاوبه مع الرذيلة وما يسيء لمكارم الأخلاق.
أفهمتنا الآية:
- اجتناب السكوت عن الخطيئة، ولزوم الجهر بالنهي عن المنكر.
- شعار حرية العلاقات الجنسية بما في ذلك حرية المثلية، هو من موروثات قوم لوط، وقد كانوا جاهلين وقوماً ضالين، فحرية كهذه إنما هي مظهر الجهالة والتخلف ولا تدل مطلقاً على التطور والتحضر.
- البيئة، لا تجبر الإنسان على ارتكاب الخطيئة، فكم من الأبرار الذين يعيشون بين الفاسقين ويحافظون رغم ذلك على طهرهم ونزاهتهم ولا يتأثرون بملوثات البيئة ومساوئها.
إنتهت الحلقة، فإلى لقاء قادم أعزاءنا المستمعين نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..