بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم لك الحمد حمد الشاكرين وصلى الله على محمد وآله وسلم..
إخوة الإيمان نحييكم جميعاً تحية الإسلام ويسرنا أن نلتقيكم مرة أخرى في برنامج "نهج الحياة" وحلقة أخرى وتفسير آيات أخرى من سورة النمل المباركة وقد انتهينا الى الآية البينة الثانية عشر منها:
وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ ۖ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ ﴿١٢﴾
سبق أن ذكرنا أن موسى عليه السلام بينما كان سائراً بأهله من عند أبيها النبي شعيب بمدين الى مصر بعث رسولاً فأمر بإلقاء عصاه ليريه الله معجزته الى القوم.
فما إن لبى النداء واستجاب لما أمره ربه حتى اهتزت العصا حية تسعى وهذه الآية تخبره عن المعاجز والآيات التي سيظهرها الله معجزة لتصديق يده ومنها نورانية يده.
أفهمتنا الآية:
- إن المعجزات هي من صنع الخالق وإن كانت خارقة للمألوف.
- من الناس من لا يقنع بمعجزة فينزل الله معجزات أخرى لعله ينصاع للحق والحقيقة ويؤمن برسالة السماء، وهذا من مصدايق كرم الله ورحمته بعباده.
والآن نصغي لقوله تعالى في الآيتين الثالثة عشرة والرابعة عشرة من سورة النمل المباركة:
فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَـٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ ﴿١٣﴾
وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا ۚ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ﴿١٤﴾
لما قدم موسى فرعون وقومه نبياً وأراهم آيات ودلائل صدقه وهو يدعوهم لعبادة الإله الواحد ونبذ ما سواه، لم يستجيبوا له وقالوا هذا سحر مبين، لتشكيكهم برسالته واستكباراً على الحق. فقد عز على فرعون وقومه اتبع موسى وهم يرونه دونهم شأناً ومنزلة في المجتمع.
لكنهم بإنكارهم رسالة موسى واتهامه بالسحر والشعوذة، إنما ارتكبوا ظلماً كبيراً على أنفسهم وهم يعوون ما فعلوا وارتكبوا من ظلم واستعلاء وترفع على الإيمان وكل ذلك من عمل المفسدين الذي يستتبع الخسران المبين في الدينا والآخرة.
أفادتنا الآيتان:
- مرتبة الإيمان، فوق العلم، كثيراً ما يعلم الإنسان في قرارة نفسه بحقيقة ما ويدرك الحقانية، وإن كان لا يزال ينكرها ولا يستسلم للحق ويذعن له، فالإيمان هو التسليم للحق.
- مما يحول دون قبول الحق والإذعان له، الكبر والإستعلاء.
- عاقبة المفسدين في الأرض السقوط وخسران الدنيا والآخرة.
والآن نبقى مع الآيتين الخامسة عشرة والسادسة عشرة من سورة النمل المباركة:
وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا ۖ وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّـهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ ﴿١٥﴾
وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ ۖ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ ۖ إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ ﴿١٦﴾
في قوله تعالى "ولقد آتينا داوود وسليمان علما" ورد تنكير العلم إشارة لتفخيم أمره وهو علم القضاء بين الخلق والعلم بكلام الطير وقد حمدا – عليهم السلام – ربهما على ذلك وعلى إتيانهما المعجزات والنبوة والملك والعلم وقدرة إلانة الحديد وتسخير الشياطين والجن والإنس.
يروى عن محمد بن جعفر بن محمد عن أبيه علي بن الحسين عليه وعلى آبائه السلام قوله: أعطي سليمان بن داوود ملك مشارق الأرض ومغاربها، فملك سبعمائة سنة وستة أشهر ملك أهل الدنيا كلهم من الجن والإنس والشياطين والدواب والطير والسباع وأعطي علم كل شيء ومنطق كل شيء.
وهكذا بعد حديث موسى عليه السلام، تشير سورة النمل في هاتين الآيتين لإثنين من أنبياء بني اسرائيل أي داوود وسليمان اللذين اختلفت ظروفهما عن سائر الرسل وتميزت بتوليهما الحكم في البلاد ورغد العيش.
والآيتان أيضاً ترمزان الى قدرة وحكم وعظمة داوود وسليمان وعلمهما وقد من الله بكل ذلك على هذين النبيين اللذين أحسنا بدورهما الشكر لسبحانه، فإنه هو الذي فضلهما بما أنعم على سائر العباد وخاصة ما علمهما - جل جلاله – منطق الطير وإمكانية استثمار كل المواهب والإمكانات والنعم المادية.
أفهمتنا الآيتان:
- إن علم الأنبياء، لدني منّ الله به وألهمه لرسله عليهم السلام.
- عدم إمكانية فصل الدين عن السياسة، فالجمع بين النبوة والحكم يوجب اهتمام المؤمنين بالشؤون السياسية تمهيد لتشكيل الحكومة الدينية أو مقارعة الظلمة والمستكبرين كأقل تقدير.
- إدارة البلد يجب أن يعتمد أساساً على العلم والمعرفة، لا الأذواق أو السلائق وطباع الحكام الفردية والحزبية.
- ما عندنا من نعم وعلوم، فهي من الله وفضله سبحانه لا نتيجة للمواهب أو الكفاءات، لذا يتوجب علينا شكر الله وحمده دائماً وأبداً.
بنهاية هذه الحلقة نستودعكم الله مستمعينا الأعزاء جميعاً.. تحية لكم على أمل اللقاء في حلقة جدية من برنامج نهج الحياة.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.