بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأزكى التسليم على سيد الأنبياء والمرسلين أبي القاسم محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين.
السلام عليكم حضرات المستمعين الأكارم ورحمة الله وبركاته وأهلاً بكم في لقاء قرآني جديد، حيث تفسير موجز ويسير لآيات أخرى من سورة طه المباركة، ونستمع أولاً إلى تلاوة الآية الحادية والثمانين من هذه السورة الشريفة:
كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي ۖ وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَىٰ ﴿٨١﴾
في الحلقة الماضية من هذا البرنامج ذكرنا أن الله تبارك وتعالى وفي مواطن عدة نصر أتباع النبي موسى عليه السلام، ومن بعد أن تحرر أتباع موسى (ع) من قيد الظلم الفرعوني، أفاض الله تعالى من نعمه عليهم كثيراً، وتأتي هذه الآية لتبين أن الخالق المتعال أباح أكل الطيبات من الرزق لبني إسرائيل، فالحلال ينبغي أن يكون طعام الإنسان، وإذا ما تجاوز حدود الحلال دخل في منطقة الحرام ويبوء من بعد ذلك بغضب من الله، وقد يطغى الإنسان ويوظف نعم الله في الحرام، وهذا هو كفران النعم، ومن الطبيعي أن الطغيان يقود إلى نزول الغضب الإلهي، وبعد هذه التوضيحات نرى أن في هذه الآية المباركة درسان هما:
- إن الأديان السماوية تولي أهمية للصحة والغذاء وتحرم الخبائث وتحل الطيبات.
- إن كفران النعم وعدم الإستفادة منها بالشكل الصحيح يؤدي إلى نزول الغضب الإلهي، أعاذنا الله وإياكم منه.
ويقول تعالى في الآية الثانية والثمانين من سورة طه:
وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَىٰ ﴿٨٢﴾
في الآية السابقة جاء الحديث عن نزول الغضب الإلهي على العاصين والطاغين الذين لا يعرفون قدر النعم الإلهية، لكن هذه الآية تتحدث عن الرحمة الإلهية وإن أبواب هذه الرحمة الواسعة مفتوحة على الدوام، إن باب التوبة مفتوح أمام الإنسان لكن قبل نزول العذاب، فمن تاب وآمن عمل صالحاً واستقام في كل ذلك شملته الرحمة الربانية؛ ومن الواضح الذي لا يحتاج إلى أدنى بيان أن الخطوة الأولى في طريق التوبة الندم على ارتكاب المعصية بيدأن الندم بمفرده غير كاف، بل لابد من ترجمة الندم إلى واقع عملي، بحيث لا يرقى أي شك في أن الآثم قد هدى من بعد ندمه إلى سواء السبيل.
وما يستفاد من نص هذه الآية هو:
- إن أسلوب التربية الإلهية يتضمن التحذير من الآثام والمعاصي غير أنه من بعد ذلك يرغب في الرحمة والثواب بدلاً من النقمة والعقاب.
- من وجهة نظر الإسلام فإن اليأس من رحمة الله تعالى من كبائر الإثم، ولا يبقى أحد في طريق مسدود، ذلك أن باب التوبة مفتوح ورحمة ربنا ومغفرته وسعتا كل شيء والحمد لله رب العالمين.
ولنصغي الآن إلى تلاوة الآيتين الثالثة والثمانين والرابعة والثمانين من سورة طه المباركة:
وَمَا أَعْجَلَكَ عَن قَوْمِكَ يَا مُوسَىٰ ﴿٨٣﴾
قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَىٰ أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَىٰ ﴿٨٤﴾
تتحدث هاتان الآيتان عن جانب آخر من حياة نبي الله موسى على نبينا وآله وعليه الصلاة والسلام، وكذلك تتحدثان عن بني إسرائيل؛ وكما يستفاد من آيات أخرى من القرآن الكريم فإنه كان على كليم الله موسى عليه السلام أن يتوجه إلى جبل الطور ليلتقي التوراة.
وكان من المقرر أن يرافق موسى في هذه الرحلة المقدسة جمع من بني اسرائيل، على أن الأحاديث والروايات تذكر في تفسير هذا النص الكريم أن موسى عليه السلام كان مشتاقاً جداً لمناجاة ربه، فعزف في طريقه إلى جبل الطور عن أكله ونومه.
أجل، كان موسى (ع) مسارعاً، أما مرافقوه فكانوا يسيرون على مهلهم، ولذلك وصل عليه السلام قبلهم إلى جبل الطور، كان على موسى (س) أن يبقى إلى جانب الطور شهراً لتلقي التوراة، لكنه بقي في هذا المكان شهراً وعشرة أيام، وهكذا ابتعد عن قومه أربعين يوماً.
وتحدث موسى عليه السلام في جبل الطور مع رب العزة والجلال، لقد كان هذا النبي تواقاً إلى مناجاة ربه جلت أسماؤه، ومن الطبيعي أن كل هذا الشوق لا يوجد عند عامة الناس، ومن هنا لا يسارعون إلى مثل هذه المناجاة مع خالق السموات والأرضين.
وإليكم الدروس التي نأخذها من هذا النص القرآني الكريم، فهي:
- إن العجلة في الأعمال الدنيوية ليس بالأمر المطلوب، بل التأني فيها مندوب، لكن في الأعمال الإلهية لا ضير من العجلة وكذلك في عمل الخير وكما قيل (خير البر عاجله).
- إن على القادة الربانيين والقادة في المجتمع أن يكونوا في مقدمة المسيرة كي يسير الناس من ورائهم بكل لهفة وشوق.
- إن في مناجاة الله تبارك وتعالى من اللذة والحلاوة ما يدركه اولياء الله فقط.
جعلنا الله وإياكم من أهل الدعاء والمناجاة لنفوز بالقرب الإلهي، غفر الله لنا ولكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.