بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله حمد الشاكرين وأفضل صلواته وتسليماته على نبينا محمد وآله الطاهرين. السلام عليكم أيها الأخوة والأخوات واهلا بكم في حلقة أخرى من هذا البرنامج.
كنا قد انتهينا تفسير 95 آية من سورة يوسف عليه السلام، والآن نستمع إلى تلاوة الآية السادسة والتسعين من هذه السورة:
فَلَمَّا أَن جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَىٰ وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا ۖ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّـهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴿٩٦﴾
علمنا من الآيات السابقة أن سيدنا يوسف عليه السلام أعطى قميصه لأخوته كي يلقوه على وجه أبيه فيأتي بصيرا.
وفي هذه الآية إشارة الى تحقق هذه المعجزة، حيث عندما ألقي ثوب يوسف على وجه أبيه استعاد سيدنا يعقوب عليه السلام بإذن الله بصره.
هنا خاطب يعقوب قومه بما مؤداه: على مدى كل تلك السنين والأعوام كلما ذكرت يوسف كنتم تلوموني على ذلك وكنتم تقولون انني أعيش الوهم والخيال ذلك أنني انتظر قدوم من أكله الذئب وافترسه.
ألا تعلمون أنني لدي من علم الله تعالى ما يجعلني أعرف ما لا تعرفون. وأنني قد توكلت على الله تعالى وفوضت أمري اليه.
والملفت للنظر هنا أن أبناء يعقوب كانوا بالأمس قد ذهبوا الى أبيهم بقميص أخيهم يوسف عليه السلام وعليه من الدم بقع وكانوا يذرفون دموع الكذب حزنا عليه. أما اليوم فإنهم جاءوا بقميص يوسف عليه السلام وفيه البشرى والشفاء.
إن أخوة يوسف عليه السلام قد أخبروا أباهم يعقوب عليه السلام أن يوسف ليس على قيد الحياة وحسب، بل أنه أصبح في مصر ذو شأن ومقام فهو عزيز مصر وكبيرها.
وما يفيده هذا النص:
- إن الأبناء على نوعين؛ النوع الأول العاقون والنوع الثاني البارون. وعقوق الوالدين من عدم الصلاح وبالعكس البر بالوالدين من الصلاح، وإخوة يوسف عليه السلام كانوا من غير الصالحين وبحسدهم فعلوا مافعلوا مع أبيهم وأخيهم.
- أهم خصوصية عند الأنبياء الثقة بالله تعالى ولهذا فإنهم على الدوام في ظل الرحمة الإلهية الواسعة.
ويقول تعالى في الآيتين السابعة والتسعين والثامنة والتسعين من سورة يوسف المباركة:
قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ ﴿٩٧﴾ قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي ۖ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴿٩٨﴾
بعد أن أدرك إخوة يوسف عليه السلام ما كانوا عليه من خطأ طلبوا من أبيهم النبي يعقوب عليه السلام أن يدعو الله لهم بالمغفرة.
ووعد يعقوب عليه السلام بنيه أن يستغفر لهم عند الله ويتوجه اليه سبحانه في الوقت المناسب، لكن ما هو الوقت المناسب؟ إنه وحسب ما جاء في الروايات يوم الجمعة وليلتها. فهذا الوقت هو أنسب أوقات استجابة الدعاء من لدن الباري الكبير المتعال.
والى الدروس المستقاة من هذا النص.
- إن التوسل بأولياء الله تعالى لطلب المغفرة أمر مطلوب وليس فيه لون من ألوان الشرك. فاولياء الله جلت قدرته من الرسل والأنبياء والأوصياء عليهم أفضل الصلاة والسلام هم الوسيلة اليه تعالى والقرآن الكريم يخاطبنا بالقول (بسم الله الرحمن الرحيم يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا اليه الوسيلة)
- إذا ما اعترف المذنب بذنبه فلا لوم عليه والأجدر التعامل معه بالرحمة والغفران والصفح.
- ينبغي ايجاد الأمل في رحمة الله في نفوس المخطئين.
والآن الى الآية التاسعة والتسعين من سورة يوسف عليه السلام:
فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَىٰ يُوسُفَ آوَىٰ إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِن شَاءَ اللَّـهُ آمِنِينَ ﴿٩٩﴾
وأخيرا شاءت إرادة الله تعالى أن يجمع شمل الأب بإبنه من أرض كنعان الى ارض الكنانة سارت قافلة يحدوها شوق اللقاء، سيدنا يعقوب وامرأته وأبناؤه كانوا في تلك القافلة.
وما أروع لحظة اللقاء بعد الفراق، كان سيدنا يوسف عليه السلام يعد اللحظات للقاء أبيه. كما هز الشوق قلب الأب فإنه هز قلب الإبن الذي كان خرج لاستقبال أبيه خارج المدينة.
إن ما يفيده لنا هذا النص هو:
- إن طاعة الوالدين في غير معصية الله امر واجب على الأبناء ولاينبغي أن يحول الجاه والمقام دون مراعاة هذا الأصل التربوي المنيف.
- إن إرساء دعائم الأمن في كل مناحي الحياة هو دليل على صواب النظام الحاكم وصلاحيته لإدارة أمور المجتمع.وفي عصره جسد هذا المعنى سيدنا يوسف عليه السلام يوم اتته زعامة مصر منقادة اليه.
- علينا أن لا ننسى لطف الله تعالى في كل الأمور فإن ما حل بمصر من أمان واستقرار في عهد يوسف عليه السلام كان بلطف الله ومنته وهو العزيز المنان والكريم الحنان والسلام خير ختام.