مطلع العام الجاري، ألزم البرلمان العراقي، الحكومة المستقيلة، وضع جدول زمني لانسحاب القوات الأجنبية من البلاد. قرارٌ وصفه رئيس الجمهورية، برهم صالح، خلال مشاركته في «منتدى دافوس»، بأنه «ردّة فعل» على اغتيال الولايات المتحدة نائب رئيس «هيئة الحشد الشعبي» أبو مهدي المهندس، و القائد الحاج قاسم سليماني، ورفاقهما. هذا التوصيف ترفضه مصادر سياسية عدة، مُذكّرةً في حديثها إلى «الأخبار» بأن «القرار كان مطروحاً بشكل جدّي من قِبَل كتلتَي سائرون (المدعومة من زعيم «التيار الصدري» مقتدى الصدر) والفتح (ائتلاف الكتل المؤيّدة لـ«الحشد الشعبي») مطلع العام الماضي، لكنه جُمّد لأسباب عدّة، منها ما هو متعلّق بالداخل العراقي، وأخرى متصلة بمحيطه الإقليمي».
وتنبّه المصادر إلى أن «الانتهاكات الأميركية المتكرّرة للسيادة العراقية» لم تبدأ مع اغتيال سليماني والمهندس، وإنما قبل ذلك بأشهر، وقد تُوّجت باستهداف مواقع لـ«الحشد» في منطقة القائم الحدودية مع سوريا، ما أسفر عن سقوط عشرات الشهداء والجرحى. يضاف إلى ما تقدّم زيادة عديد القوات القتالية المنتشرة في غرب البلاد وشمالها، وإعادة تفعيل العمل على مشروع «الأقلمة»، فضلاً عن تحويل العراق إلى منصّة لاستهداف إيران.
تبرّر المصادر الجمود الذي طرأ على مساعي إخراج القوات الأجنبية العام الماضي بسعي رئيس الوزراء المستقيل، عادل عبد المهدي، حينها، إلى لعب دور الوسيط في المنطقة، التي كان قد بلغ التوتر فيها ذروته بعد تصعيد الهجمة الأميركية على إيران. وتعرب عن اعتقادها بأنه «لو مضى العراق يومها بهذا القرار، لكان استدعى انعكاسات سلبية سياسياً واقتصادياً عليه، من دون أن تكون مساعيه آنذاك مضمونة النجاح».
أما اليوم، فإن الظروف قد اختلفت، بحسب المصادر التي تشدّد على أن القرار البرلماني الأخير «قرار سيادي... يحفظ سيادة البلاد ويصون أراضيها، ولا يُفسَّر كما أراد رئيس الجمهورية وبعض الأحزاب والقوى تفسيره».
القرار البرلماني الأخير «قرار سيادي... يحفظ سيادة البلاد ويصون أراضيها
هذا في الغاية، أما في المضمون، فالقرار القاضي بإخراج القوات العاملة في إطار «التحالف الدولي ضد تنظيم داعش» بقيادة واشنطن «يلزم الحكومة بجدولة انسحاب تلك القوات، سواءً الأميركية منها أم غيرها» بحسب ما توضح مصادر سياسية وأمنية لـ«الأخبار»، لافتة إلى أن «ثمة تكتّماً على عديد القوات الأميركية المنتشرة بهذه الصفة»، إذ تشير التقديرات الميدانية إلى أنها تتراوح بين 7 آلاف و 12 ألف مقاتل، يضاف إليهم 10 آلاف بين متعاقد مدني وشركات أمنية ومستشارين وموظفين، وبذلك يفوق عدد هؤلاء الـ20 ألفاً.
في التنفيذ، سيكون رئيس الوزراء المكلّف، محمد توفيق علّاوي، في حال نجح في تشكيل حكومته، أمام تحدّي جدولة الانسحاب، والتي لا يبدو إلى الآن أن ثمّة تقديراً واحداً في شأنها. بعض المعنيين يؤكدون أن الأميركيين «باقون... وفي المرحلة المقبلة سيعيدون تموضع قواتهم في الشمال والغرب»، فيما يجزم آخرون أن «الإدارة الأميركية عازمة على سحب قواتها، ولكن بشكل تدريجي وعلى مراحل... حتى لا يكون الانسحاب مُهيناً».
وفي هذا الإطار، تقول المصادر إن قائد القيادة المركزية للجيش الأميركي، كينيث ماكنزي، أكد، خلال لقائه رئيس الوزراء المستقيل، عادل عبد المهدي، أخيراً، التزام واشنطن بالانسحاب التدريجي، ولكن من دون تحديد سقف زمني لذلك.
تأمل المصادر أن تواصل الحكومة الحالية مساعيها إلى تنفيذ قرار البرلمان، وأن تتابع الحكومة الجديدة هذه المهمّة من بعدها.
وإذ تؤكد أن بغداد لا تزال على موقفها الرافض لأيّ مسمّى أو عنوان من شأنه أن يشكّل مظلّة لاحتلال آخر، وخصوصاً أن الأميركيين يسعون إلى صيغ حلول من هذا النوع، فهي تلفت إلى أن ثمة حاجات تدريبية سيحاول العراق حلّ الإشكاليات المتصلة بها عبر قناة «حلف شمالي الأطلسي» (الناتو)، وذلك بإرسال بعثات تدريبية إلى بلدان «الحلف»، أو «استقدام مستشارين وفق الحاجة العملية لا أكثر».
كيف سيكون موقف فصائل المقاومة حيال تلك الصيغ؟ تنتظر الفصائل ما ستؤول إليه المساعي الدبلوماسية، محذرةً، وفق مصادرها، من أنها إذا التمست «استرخاءً» حكومياً، أو انصياعاً لضغوط خارجية، أو تمسّكاً أميركياً بالبقاء، فسيكون هناك «احتكاكٌ مباشرٌ مع القواعد الأميركية حصراً... في عمليات تحمل رسائل بالغة وتعكس قدرة الفصائل وجاهزيتها»، من دون إغفال «الصواريخ المجهولة»، والتي تُدرَج في كثير من الأحيان في إطار الرسائل التهديدية المُوجّهة إلى القوات الأميركية.
المصدر: جريدة الاخبار