ذكرت كتب السيرة النبوية ان يوم الثاني والعشرين من شهر رمضان كان يوم دخول النبي الاكرم صلى الله عليه وآله وسلم الى المدينة المنورة راجعاً من معركة بدر الكبرى، التي وقعت بين قوى الاسلام بقيادته صلى الله عليه وآله وسلم وبين قوى الشرك والكفر بقيادة ابي جهل والعتاة المردة من قريش.
في اليوم الثاني والعشرين من شهر رمضان عام اثنين للهجرة دخل رسول الله صلى الله عليه وآله المدينة ظافراً منتصرا بعدما هزم قريشا وخيلاءها وجبروتها السيف بين المسلمين والمشركين، وقد بعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم البشير امامه الى اهل المدينة المنورة ليزفّ لهم البشرى بالانتصار العظيم، حيث قدّم عبد الله بن رواحة بشيرا الى اهل العالية من المدينة، وزيد بن حارثة الى اهل السافلة منها. ولما دخل عبد الله بن رواحة جعل ينادي على راحلته: يا معشر الانصار أبشروا بسلامة رسول الله وقتل المشركين واسرهم قُتِلَ ابنا ربيعة، وابنا الحجاج، وابو جهل، وامية بن خلف، وزُمعة بن الاسود، واُسِرَ سهيل بن عمرو وذوالانياب في اسرى كثيرين وغداً يقدم رسول الله انشاء الله ومعه الاسرى مقرّنين.
وفرح اهل العالية من المدينة فرحا شديدا واخذ الاطفال يركضون مع راحلة البشير ويرددون فرحين: قُتِلَ ابو جهل الفاسق، قُتِلَ ابو جهل الفاسق.
وقدم زين بن حارثة الى المدينة من جانبها الاخر على ناقة النبي القصواء فلما بلغ المصلّى صاح قُتِلَ عبة وشيبة ابنا ربيعة، وابنا الحجاج، وابوجهل وابو البختري، واُمية بن خلف، وزمعة بن الاسود، واُسِرَ سهيل بن عمرو وذوالانياب في اسرى كثيرة.
وزفّت البشائر الا ان المنافقين واليهود حاولوا بداية تشويه الحقائق فاخذوا يعلنون ان زيدا وعبد الله بن رواحة يكذبون وان محمدا قد قُتِلَ مع علِيّة قومه.
واخذوا يشيعون اراجيفهم بين المسلمين الذين استبشروا بهذا النصر.
وكان كعب بن الاشرف يهودياً فلما بلغه الخبر قال: أحقٌ هذا؟ أترون محمداً قَتَلَ هؤلاء الذين يسميانهم زين بن حارثة وعبد الله بن رواحة؟ فهؤلاء أشراف العرب وملوك الناس! والله لئن كان محمد أصاب هؤلاء القوم فبطن الارض خير من ظهرها.
ودخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المدينة من جانب ثنية الوداع، واستقبله الناس يهنئونه بفتح الله عليه. وهم يحمدون الله، وخرجت النساء وهن ينشدن:
طلع البدر علينا من ثنيات الوداع
وجب الشكر علينا ما دعا الله داع
وكانت والدة احد الشهداء وهو حارثة بن سراقة تنتظر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لتسأله هل ان ابنها في الجنة فعندها لا تبكيه، واذا كان في النار تبكيه، فما كان من الرسول القائد الاعظم الا ان اجابها بقوله: أجنّةٌ واحدة؟ انها جنان كثيرة، والذي نفسي بيده انه لفي الفردوس الاعلى.
ولما جاؤوا بالاسرى لم يبق بالمدينة يهودي ولا مشرك ولا منافق الا ذلّ وشعر بالهزيمة والخوف من قوة شوكة المسلمين. فما حدى ببعض اليهود ان يعترف بصراحة بقوله عن الرسول محمد صلى الله عليه وآله:
هو الذي نجده منعوتاً، والله لاتُرفَعُ له راية بعد اليوم الاّ ظفرت.
وقد اخذ هذا النصر مأخذه وبانت آثاره في المجتمع، فأسلم خلق كثير من اهل المدينة، ودخل عبد الله بن ابي سلول في الاسلام ظاهرا وقد اصبح فيما بعد رأس المنافقين.
وقالت اليهود: تيقّنا انه النبيُّ الذي نجد نعته في التوراة.
ويذكر التاريخ ان اُسَرَ الشهداء عقدت مجالس مناحة على شهداءها، وقد اشتركت فيها سودة بنت زمعة زوجة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.