بسم الله وله الحمد رب العالمين وأزكى صلوات المصلين على مصابيح نوره المبين محمد وآله الطيبين. السلام عليكم اخوتنا المستمعين، جمال الجمع بين المدح والرثاء هو أهم ما يميز القصيدة الحسينية التي نقرأها لكم في هذا اللقاء مقدمين لها بتعريف بشاعرها وهو أبو عبدالله نجم الدين الحسين بن علي العشاري البغدادي الفقيه الشافعي، يعود أصله الى بلدة العشارة التي تقع على الخابور في سوريا، ولد في بغداد سنة خمسين ومئة والف للهجرة، وتتلمذ عند الشيخ جمال الدين عبد الله بن حسين السويدي البغدادي وولده عبد الرحمن. إمتاز الشيخ العشاري بجودة الخط وصنّف عدة مؤلفات في العلوم الاسلامية منها حاشيتان على شرح الحضرمية لابن حجر الهيثمي وجمع الجوامع في الفقه، وله أيضاً رسالة في مباحث الإمامة وديوان شعر اشتمل على قصائد كثيرة في مدح أهل بيت النبوة عليهم السلام. وقد توفي رحمه الله سنة ۱۲۱۹ للهجرة رضوان الله عليه.
قال رحمه الله في رثاء السبط الشهيد عليه السلام:
وصغ لك فولاذ الغرام مهندا
ورد منهل الأحزان صرفاً وكرّرن
حديثاً لأحزان الطفوف مجددا
وما القلب إلا مضعة جد بقطعها
ودعها فداء السبط روحي له الفدا
أترضى حياة بعدما مات سيد
غدا جده المختار للناس سيدا
أترضى اكتحال الجفن بعد مصابه
وجفن التقى والدين قد بات أرمدا
خذ النوح في ذاك المصاب عزيمة
الى الفوز واجعل صهوة الحزن مقعدا
بكت رزءه الأملاك والأفق شاهد
ألم تره من دمعه قد توردا
فيا فرقداً ضاء الوجود بنوره
فلا بعده نلقى ضياء وفرقدا
وريحانة طاب الوجود بنشرها
بها عبثت أيدي الطغاة تعمدا
ودرة علم أضاءت فأصبحت
تمانعها الأوغاد منعاً مجرداً
بروحي منها منظراً بات في الثرى
ويا طالما قد بات في حجر أحمدا
وثغراً فم المختار مص رضابه
وهذا يزيد بالقضيب له غدا
ورأساً يد الزهراء كانت وسادة
له فغدا بالترب ظلماً موسدا
لئن أفسدوا دنياك يا ابن محمد
سيعلم أهل الظلم منزلهم غدا
لئام أتوا بالظلم طبعاً وإنما
لكل أمرئ من دهره ما تعودا
وحقك ما هذا المصاب بضائر
لأن الورى والخلق لم يخلقوا سدى
فألبسك الرحمن ثوب شهادة
وألبسهم خزياً يدوم مدى المدى
لبستم كساء المجد وهو إشارة
بأن لكم مجداً طويلاً مخلدا
وطهركم رب العلى في كتابه
وقرر كل المسلمين واشهدا
أتنكر هذا يا يزيد وليس ذا
بأول قبح منك يا غادر بدا
بني المصطفى عبد لكم وده صفا
فأضحى غذاء للقلوب وموردا
غريب عن الأوطان هذا فؤاده
تضرم من نار الأسى وتوقدا
ألمّ به خطب من الدهر مظلم
تحمل من أكداره وتقلدا
نضا سيفه في وجهه متعمداً
وجرده عن حقه فتجردا
ببابكم ألقى العصا وحريمكم
أمان إذا دهر طغى وتمردا
أتاكم صريخاً من ذنوب تواترت
على ظهره في اليوم مثنى ومفردا
أتاكم ليستجدي النوال لأنكم
كرام نداكم يسبق الغيث والندى
أتاكم ليحمي من أذى الدهر نفسه
وأنتم حماة الجار إن طارق بدا
أتاكم أتاكم ياسلالة حيدر
كسيراً يناديكم وقد أعلن الندا
حسين أقلني من زمان شرابه
حميم وغسلين إذا ما صفا صدا
على جدك المختار صلى الهنا
وسلم ما حادٍ إلى أرضه حدا
كانت هذه رثائية ومديحة حسينية من انشاء الفقيه الشافعي نجم الدين ابي عبدالله الحسين بن علي العشاري البغدادي من علماء القرن الهجري الثالث عشر. وقد قرأناها لكم في لقاءٍ اليوم من برنامج (مدائح الانوار) تقبل الله أعمالكم والسلام عليكم.