بسم الله وله الحمد والمجد والثناء أن أنار قلوبنا بمودة محمد وآله الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين.
الأفضلية المطلقة للإمام علي أمير المؤمنين بعد أخيه المصطفي (صلي الله عليه وآله) هي من الحقائق الواضحة التي نصت عليها صحاح الأحاديث الشريفة وصدقتها السيرة العلوية المباركة وقد سجلتها قصائد شعراء المسلمين من مختلف العصور نختار في اللقاء منها نماذج من صدر الإسلام وأبياتاً لشاعر البردة المحمدية كعب بن زهير المتوفي رحمه الله حدود سنة ٤٥ للهجرة وكذلك من القرن الهجري الرابع أديب تميم بن منصور الفاطمي رحمه الله المتوفي سنة أربع وسبعين وثلاثمائة للهجرة.
أبو عقبة، كعب بن زهير بن أبي سلمة هو من فحول الشعراء ومجيديهم، كان رسول الله (صلي الله عليه وآله) قد أهدر دمه لقوله بعض الأبيات الشعرية عندما هاجر أخوه بجيد إلي النبي (صلي الله عليه وآله)، إلا أنه ندم علي ذلك بعد أن بقي هارباً فترة من الزمن، فأقبل علي رسول الله (صلي الله عليه وآله) وأنشده قصيدته الشهيرة التي أولها (بانت سعاد) ولما بلغ إلي قوله:

إنّ الرسول لسيف يستضاء به

مهذب من سيوف الله مسلول

أشار رسول الله (صلي الله عليه وآله) إلي أصحابه أن يستمعوا له، ثم ألقي إليه برده فأسميت القصيدة باسم البردة. وقد توفي رحمه الله في حدود سنة ٤٥ للهجرة فأدرك إمامة الحسن المجتبي (عليه السلام) وله أبيات جميلة في مدح أهل البيت (عليهم السلام)، منها قوله في مدح أمير المؤمنين (عليه السلام) في قصيدة علي غرار قصيدة البردة يمهد لها بأبيات غزلية - علي عادة شعراء تلك الحقبة- وهي شبيهة بأبيات بانت سعادُ، ومن الوزن الشعري نفسه نختارمن هذه المقدمة قوله (رحمه الله):

هل حبل رملة قبل البين مبتور

أم أنت بالحلم بعد الجهل معذور

ما يجمع الشوق إن دار بنا شحطت

ومثلها في تداني الدار مهجور

ما أنس ما أنسها والدمع منسرب

كأنه لؤلؤاً في الخدّ محدور

وبعد أبيات رقيقة من هذا السياق ينتقل شاعر البردة كعب بن زهير الي مدح الوصي المرتضي (عليه السلام) فيقول:

إنَّ عليّاً لَميمونٌ نقيبتُهُ

بالصالحات منَ الأفعالِ مشهورُ

صهرُ النبيّ وخيرُ الناسِ مُفتخراً

فكلُّ من رامهُ بالفخرِ مفخورُ

صلّي الطَهورُ مع الأُميّ أوّلَهُم

قبلَ المعاد وربُّ الناسِ مكفورُ

ويتابع الشاعر المخضرم كعب بن زهير مديحته للوصي المرتضي (عليه السلام):

مقاومٌ لطغاة الشرك يضرِبُهُم

حتيّ استقاموا ودينُ اللهِ منصورُ

بالعدلِ قمت أميناً حينَ خالَفَهُ

أهلُ الهوي وذَووُ الأهواءِ والزور

يا خيرَ من حملت نعلاً لهُ قدمٌ

بعد النبيّ لديهِ البغيُ مهجورُ

أعطاك ربُّك فضلاً لا زوالَ لهُ

من أينَ أتي لهُ الأيامَ تغييرُ

ومراده (رحمه الله) من (الزورُ) الأئمة المضلين الذين حذر النبي الأكرم (صلي الله عليه وآله) منهم في أحاديث كثيرة، وفي الأبيات الثلاثة الأخيرة إشارة الي دور هؤلاء الأئمة المضلين في محاربة سيد الأوصياء بعد رحيل سيد الأنبياء (صلي الله عليه وآله).
وقد أشرنا الي أن شاعر البردة كعب بن زهير قد أدرك عهد إمامة الحسن المجتبي (عليه السلام) إذ توفي حدود سنة خمس وأربعين للهجرة، وله في مدح الإمام الحسن قوله (رحمه الله):

مَسَحَ النبيُّ جبينَهُ

فلُه بياضٌ بالخُدود

وبوجهه ديباجةٌ

كرمُ النُبوَةِ والجُدودِ

ننقلكم الآن الي القرن الهجري الرابع ومع الأديب المبدع تميم بن منصور الفاطمي حيث يصرح بما صرح به كعب بن زهير من أفضلية الوصي المرتضي بعد النبي المصطفي (صلي الله عليه وآله) فيقول (رحمه الله):

أفضل العالمين بعد الرسولِ

عند أهل التمييز والتحصيل

خذنه وابنُ عمّه وأخوه

وأبو سبطِهِ وزوجُ البتولِ

وقال (رحمه الله( في إبيات من قصيدة إحتجاجية طويلة:

بدرٌ وأُحدٌ وخيبَرٌ ورُبا

مكةَ يعلمنَ من لهُ الأُوَلُ

ومن أطاعَ النَّبيَّ مجتهداً

مجاهداً لا يعُوقه كسَلُ

لله آلُ الوصيّ من نفرٍ

ما نكبوا عن تقيً ولا عَدَلوا

همُ ليوثُ الأنام إن جَبُنوا

وهُم هُداة العباد إن جَهِلوا

إن أفضلوا أجزلوا وإن عقَدوا

شدّوا وإن حكموهُم عَدَلوا