بسم الله وله الحمد رب النور المبين الصادق الامين محمد وآله الطيبين الطاهرين.
السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته، تحية طيبة وأهلاً بكم، ها نحن نلتقيكم على بركة الله لنرطب قلوبنا وأرواحنا بالترنم بمديحة أخرى من مدائح أنوار العترة المحمدية.
وقد إخترنا لهذا اللقاء أعزاءنا بديعة غرّاء تشتمل من جهة على بيان مقامات محمد وآله (عليه وعليهم السّلام) ومن جهة أخرى على بيان تجربة وجدانية ذاتية في معرفة الهدى لمنشأ هذه البديعة وهو الشاعر الامير مزيد بن صفوان الاسدي الحلي علم الشعراء المبدأيين في القرن السادس الهجري.
توفي رحمه الله في مدينة اللاذقية سنة ٥۸٤ للهجرة بعد معاناة طويلة من مشاقّ تحملها في سبيل عقيدته.
إفتتح الاديب الولائي مزيد الحلي مديحته بتصور شعري جميل للموقف العلوي من الدنيا ورفضها، فقال مخاطباً لها:
إليك ذريني والجوى لا تقدّمي
فما أنت لي دار الإقامة فاعلمي
ذريني وغرّي ويك غيري محلّلاً
لوصلك بالآمال غير محرّم
فإّنك دنيا برق لمعك خلّب
جهام متى يرفع بناؤك يهدم
وأنّك لا يرجى نعيمك للبقا
متى تملكي قلباً تغرّي وتنقمي
وعندي لمن يهواك خير نصيحة
له في معاني شرحها خير مغنم
يوالي ولاة الحقّ آل محمد
فحبّهم فرض على كلّ مسلم
هم العروة الوثقى هم الرّكن والصّفا
هم الحجّ والمسعى هم بئر زمزم
هم شجرة الطّوبى وسدرة منتهى
هم جنة المأوى ونار لمجرم
هم التين والزيتون والشمس والضحى
وطه وما قد جاء في فضل آدم
هم مرج البحرين يخرج منهما
قلائد درّ للأنام منظّم
هم كاف هاء ياء عين صاد وما أتى
من الآي في ميلاد عيسى بن مريم
هم حجّة الرحمن بين عباده
هم الحبل حبل الله لم يتصرّم
أناس أتى جبريل يسأل ربّه
بقدرهم العالي على كلّ مغنم
فيا ربّ اجعلني بهم خادماً لهم
فقال له أنت المقرّب فاخدم
ويتابع الشاعر الامير فريد الحلّي مديحته البديعة لآل محمد (عليه السّلام) فيعرض تجربته الذاتية في موالاتهم قائلاً:
أعاذل ذرني في هوى أحمد
وإن تك في حكم الهوى جائر عمي
أتعذلني في حبّ قوم هم الهدى
الى سبل تجلو دجة كلّ مظلم
دع الشكّ واعمل باليقين تفز به
وسلّم إلى داعي المحقّين واسلم
وخلّ التزام الرأي فالرّأي مهلك
ذويه وحبل الله في الأرض فالزم
ألم تر أنّ الرأي إبليس صدّه
مخالفة عند السّجود لآدم
كفى بالذّي يلوي عن الحقّ أنه
تعامى فلمّا أن رأى رشده عمي
أقول وقول الحقّ يطرق خاطري
إذن ولسان الصّدق ينطق في فمي
ستعلو بإذن الله أعلام نصره
نزاريّة ما بين فرس وديلم
ويملأ عدلاً بعد جور وينطفي
لأعداء آل المصطفى كلّ مضرم
وبعد أن يبشّر الشاعر الأمير مزيد الحلّي بمهديّ آل محمد عجّل الله فرجه وحتمية ظهوره ينابع عرض تجربته الذاتية قائلاً:
خلعت عذاري في هواهم تقحّماً
ومن يرج بحراً زاخراً يتقحّم
وكيف وإني عنهم متأخرّاً
وحبّهم بالّلحم يمزج والدّم
فلمّا رأيت الناس في خوض غيّهم
يقولون لن ننجو بغير معلّم
تيقّنت أن لابدّ ما دامت الّدنا
لكلّ زمان من إمام مترجم
وأصبحت فتّاش الحقوق وأهلها
ومن يك فتّاشاً عن الحقّ يغنم
مجيباً لداعي الله في القرب والنّوى
أجوب الفيافي معلماً بعد معلم
فإنّي رأيت الخلق قسمين قائلاً
عرفت بعقلي كالحديث المترجم
وآخر بالعقل الصحيح وناطق
عن الله للعقل الصحيح مفهّم
فإن صحّ في العقل انثنيت بزعمهم
محقاً ومن ينكر قوى الحقّ يندم
وإن كان من عقلي مقالة صادق
نجوت ومن يعدل عن الحقّ يظلم
أعزاءنا هذه قصيدة عصماء في مدح العترة المحمدية للاديب الأمير مزيد الحلّي من أعلام القرن الهجري السادس، الى لقاء آخر من برنامج مدائح الانوار، نستودعكم الله والسّلام عليكم.