فقد تم العثور على صور ورسومات عن الحيوانات في مغارات محافظة لرستان الايرانية، فضلاً عن أن الصور والرسومات المنقوشة على جدران المعالم الأثرية المكتشفة في مدينة ملاير بهمدان وكذلك محافظة فارس، يرجع تاريخها الى 5000 عام مضى. كما أن الصور والرسوم المنقوشة على الفخاريات المكتشفة في تلال سيلك ولرستان، تثبت لنا أن سكان هذه المناطق كانوا على معرفة بفن الرسم.
هذا وتم العثور على رسومات تعود الى العهد الأشكاني، وذلك أثناء عملية التنقيب التي اجريت في المناطق الشمالية المطلة على نهر الفرات. وتعرض إحدى هذه الرسومات منظراً للصيد؛ فيذكرنا النمط المستخدم في هذا الرسم وصور الحيوانات والفرسان بفن المنمنمات الايرانية.
وفيما يخص الرسومات في العهد الإخميني، كان الرسم الوجه يتصدر باقي الرسومات. كما أن التنسيق فيما بين الألوان وتنوعها وجمالها هو الآخر كان من النقاط التي تلفت الأنظار. رغم أن هذه الرسومات كانت بدون تظليل إلا أنها كانت متناسقة ومتجانسة.
ظهر أقدم الرسومات وأندرها في العصر الاسلامي في النصف الأول من القرن الثالث عشر، وجدير بالاشارة الى أن المنمنمات الايرانية يعود تاريخ نشوئها الى زمن سقوط مدينة بغداد سنة 1285 الميلادية. ومنذ القرن الرابع، تم تزيين الكتب والمخطوطات برسومات تحكي ساحات القتال ومناظر الصيد.
ومنذ القرن السابع، كانت الصين تعد مركزاً فنياً رئيساً فكانت من أهم الدوافع التي اتحث الفنانين الايرانين على الولوج في فن الرسم؛ مما أنشأ همزة وصل بين الرسامين الايرانيين ونظرائهم البوذيين الصينيين.
من الناحية التاريخية، إن أهم ما شهده الفن الايراني من التكامل هو الإقبال على النماذج الصينية التي امتزجت بفن التلوين الايراني.
ولا يمكن اطلاقا وصف الجمال والمهارة اللذين يعبر عنهما الرسامون الايرانيون في رسوماتهم.
وأخذ الفنانون الايرانيون، في القرن الأول للاسلام، بزخرفة الكتب بشتى الرسومات.
كانت بدايات الكتب وعناوينها وحواشيها تزين بنقوش ورسومات بديعة؛ وهذا النمط من التزيين والتلوين وكذلك استخدام النماذج الفنية كان ينتقل من جيل الى جيل، والذي يسمى «بفن التنوير». ازدهر فن التنوير وعملية تزيين الكتب في العصور السلجوقية والمغولية والتيمورية أيما ازدهار.
وكانت رسومات العصر الاسلامي تأخذ شهرتها من النمط الفني المنتشر في بغداد آنذاك. فالمنمنمات الناتجة عن النمط البغدادي كانت تفتقر أساساً الى الأنماط والأساليب التي كانت متوفرة عادة قبل العهد الاسلامي.
وبما أن نمط الرسم البغدادي كان قد أخذ بعين الاعتبار الفن قبل العصر الاسلامي الى حدّ مّا، بيد أن فن المنمنمات الايرانية كان قد انتشر في نفس الوقت في جميع الأرجاء والامصار الاسلامية بدءاً من الشرق الأقصى مروراً باروبا ووصولاً الى افريقيا.
ومن بين الكتب التي تم تزيينها بالصور حسب نمط الرسم البغدادي، على سبيل المثال كتاب «كليلة ودمنة» لابن المقفع، غير أن الصور الموجودة في الكتاب غير متناسقة واكبر من الحجم العادي، اضافة الى استخدام عدد محدود من الألوان في رسوماتها.
معظم المخطوطات والأساطير والقصص في القرن الثالث عشر الميلادي، تم تزيينها برسومات وصور عن الحيوانات والخضار.
من إحدى أقدم الكتب الصغيرة التي أنجزت على هذه الطريقة عام 1299 الميلادي في ايران، هو كتاب «مناف الحيوان» الذي يشرح فيه المؤلف خصائص الحيوانات. وامتزج في هذا الكتاب التاريخ الواقعي بالأسطورة.
وتأتي اهمية كتاب «مناف الحيوان» لكونه يتضمن صوراً ورسومات عدة تعرّف القارئ والمخاطب بفن الرسم في ايران.
الألوان المستخدمة في الرسومات المتوفرة في هذا الكتاب أكثر وضوحاً وتطوراً من نمط الرسم البغدادي القديم.
وبعد مهاجمة المغول لإيران، حث المغول، وهم المتأثرون بالفن الايراني الرسامين والفنانين على مواصلة هذا الفن الراقي، ونرى في نتاجات وأعمال الرسامين الايرانيين تأثيرات نمط الرسم المغولي ايضاً، حيث الجماليات والظرافة وترتيب الخطوط القصيرة الراقية. الرسوم الايرانية في هذا العصر كانت على شكل خطوط؛ مما يدلّ على الابداع والأصالة اللذين يبديهما الفنانون الايرانيون بهذا الشأن.
وخلافاً للنمطين المغولي والبغداي؛ فان اكثر الرسومات والأعمال الفنية التي بقيت قائمة الى يومنا هذا، تعود الى نمط الرسم الهراتي. ويرى الفنانون أن الرسم في ايران بلغ ذروته من الرقي والازدهار في عصر السلالة التيمورية.
ومن الاساتذة الكبار الذين ظهروا في هذه الفترة، الفنان البارع كمال الدين بهزاد الذي أبدع بدوره نمطاً جديداً للرسم في ايران. وفي غضون العصر التيموري، والذي امتدت فترة حكمهم من عام 1370 الى 1405 الميلادي، شهد فن الرسم عملية تصغير دقيق للرسومات وبذل الرسامون الغالي والنفيس في هذا المجال.
وبقي من هذا العهد كتابان قيمان: أحدهما «كليلة ودمنة» والثاني «الشاهنامة» للفردوسي (الملحمة). ويتجلى فن الرسم الايراني في كتاب «الشاهنامة» الذي تم تلوينه سنة 1444 الميلادية بمدينة شيراز.
نشاهد في إحدى هذه الرسوم لقطة جميلة لمحكمة ايرانية جرى تلوينها على النمط الصيني. كما تم رسم القاشاني الأبيض والأزرق الايراني مع السجادات الايرانية الجميلة بشكل هندسي بارز.
اضافة الى ذلك، رسم فنان باسم «روح الله ميرك» ثلاث عشرة منمنمة رائعة على إحدى المخطوطات لكتاب «الخمسة» للشاعر نظامي كنجوي، الا أننا نلمس تماماً الفبركة والحساسية فيما يخص رسومات «خمسة نظامي» التي تمت على أساس النمط البغدادي. قام الاستاذ بهزاد، وهو أكبر أساطين نمط الرسم الهراتي، قام بتطوير هذا الفن وأبدع نمطاً جديداً لم يستخدمه أحدٌ قبله قط.
كتاب «الشاهنامة» للفردوسي من روائع هذه النتاجات الفنية، الذي تم تزيينه بالصور والرسومات على النمط الهراتي وذلك في عهد «بايسنغر»، أحد أمراء السلالة التيمورية. تحظى رسومات هذا الكتاب من حيث التلوين والتنسيق بين الصور، بأعلى مستوىً من المتانة والروعة.
وجاء العصر الصفوي، فانتقل الفن وتمركز في مدينة تبريز، غير أن البعض من الفنانين والرسامين بقوا في مدينة قزوين. ولابد من الاشارة الى أن «نمط الرسم الصفوي» تعود جذوره الى مدينة اصفهان.
اخذت المنمنمات الايرانية في العهد الصفوي باصفهان تخطو خطوة جديدة، تاركة النمط الصيني وراءها. وبدأ الرسامون يقبلون على استخدام النمط الطبيعي فيما بعد.
كان الاستاذ «رضا عباسي» مؤسس «سبك الرسم الصفوي»، فشهد فن الرسم في العهد الصفوي تغييرات نوعية جداً.
الرسومات والأعمال الفنية التي تعود الى هذا العصر هي من اكثر الرسومات روعة وذوقاً، وتعبر بدورها عن مدى الذوق الذي أبداه الرسامون الايرانيون من خلال فرشاتهم على اللوحات.
كما تظهر الرسومات التي رسمها الفنانون في العصر الصفوي، تظهر جلياً مدى اختصاص هؤلاء في هذا الفن، وان خير شاهد على ذلك، هو الرسومات والصور التي تتوفر في قصر عالي قاپو وعمارة «چهلستون» بمدينة اصفهان.
كانت الرسومات في عصر السلالة الصفوية تتمحور حول الجمال والأبّهة في هذا العهد، وكانت مواضيع هذه الرسوم بشأن عرش الملوك والأمراء وأبناء الملوك والقصور الجميلة والمناظر الرائعة ومشاهد الحرب.
ونرى في رسومات هذا العصر أشخاصاً يرتدون ملابس فاخرة ووجوهاً ذات ملامح جميلة وتماثيل ملونة دقيقة، وجرى تصويرها وتلوينها بشكل واضح. ومن السمات البارزة التي كانت تميز فن الرسم طيلة العصر الصفوي، هي الحرية والجودة والحنكة والمهارة الدقة الزائدة.
ركز الفنانون جل اهتمامهم على الإطار العام والشامل لفن الرسم واجتنبوا الولوج في الجزئيات غير الضرورية. هذا ومن الخصائص الأخرى لنمط الرسم في العصر الصفوي يمكن الاشارة الى وجود الخطوط المستقيمة والتعبير السريع عن المشاعر والأحاسيس وكثافة الموضوعات وتنوعها.
كما وظهر في أواخر حكم الصفويين نمط الرسم الأروبي، مما أدى الى حدوث تغييرات جزئية في تلوين الرسومات، وذلك نتيجه بروز آراء مختلفة لدى الرسامين.
اما في العصر القاجاري (القرن السادس عشر الميلادي)، كانت الرسومات عبارة عن مزيج من أنماط وأساليب الفن الأوروبي التقليدي وأنماط رسم المنمنمات الخاصة بالعهد الصفوي. وفي هذه الفترة بالذات، روج الاستاذ والرسام المعروف «محمد غفاري (كمال الملك) » لنمط الفن التقليدي الاوروبي في ايران، وظهر سبك جديدٌ للرسم سمي بسبك «المقهى».
هذا التوع الجديد من الرسم كان ظاهرة جديدة في تاريخ فن الرسم بايران. كان سبك «المقهى» يعجب به عامة الناس والشريحة الدينية بالمجتمع الايراني، وتتضمن مواضيعه صور الأنبياء وأئمة الهدى الطاهرين (ع) والشعائر الدينية والحروب والشخصيات الوطنية. وازدادت رقعة انتشار هذا السبك وسط أبناء الشعب وعامة الناس وكان الاقبال عليه موسعاً.
كان القاصون والحكواتيون يسردون القصص التاريخية والملاحم الوطنية والدينية للناس في المقاهي. ومن جهتهم، كان الرسامون والفنانون قد رسموا القصص والملاحم نفسها على جدران هذه المقاهي. في الماضي، كان الملوك والولاة والأمراء يدعمون النتاجات والأعمال الفنية للرسامين، غير أن الظروف تغيرت، حيث الرسامون كان يرسمون هذه المناظر والمشاهد القصصية على جدران المقاهي نزولاً عند طلب عامة الناس ورغبتهم في هذا النمط.
تعرض الرسومات الايرانية حلاوة خاصة لعشاقها ومخاطبيها، وتربطهم ارتباطاً حيوياً متواصلاً بالقصص والملاحم التاريخية. ويحتل فن الرسم الايراني مكانة مرموقة في عالم الفن والرسم في قارة آسيا.
وتتنوع موضوعات الرسومات الايرانية فيما بين السماء الزرقاء والمتوهجة والجمال الزاهي للبراعم والناس الذين يحبون الحياة والذين يكرهونها وكذلك مواضيع مثل حياة الرغد والترف والكآبة وما الى ذلك.