مستمعينا الأكارم !
سلام من الله عليكم ورحمة منه وبركات ، وكلّ المراحب بكم في هذا اللقاء الجديد الذي يجمعنا بكم عبر برنامج الفيمينيّة تحت المجهــر والتي سنخصّصها لبحث ظاهرة تزايد دور حضانة الأطفال وآثارها وتبعاتها السلبيّة علي الأولاد ، وذلك بعد أن تحدّثنا في الحلقات الماضية عن نشر الأفكار الفيمينيّة و التغييرات التي طرأت علي الأسرة ، ندعوكم لمتابعتنا.
مستمعينا الأحبّة !
ذكرنا في الحلقة السابقة أنّ الأشكال المختلفة للأسرة وخاصة الأسر ذات الوالد الواحد والأسر الفاقدة للأولاد ، كبّدت مؤسسة الأسرة الكثيرَ من الأضرار . خاصة وانّ نسبة النساء اللواتي يخترن عدم الإنجاب في تزايد مستمر في المجتمعات الغربيّة . كما مرّت الإشارة إلي أنّ مواصلة الدراسة والعمل وتحقيق أهدافه وكذلك النزعة الفرديّة ، كلّ ذلك هو من أهمّ أسباب اختيار عدم الإنجاب .
ومن جهة أخري فإنّ الفيمينيّن يعتبرون الأولاد عقبة أمام تطوّر النشاطات الاجتماعيّة وعمل المرأة ، وعلي هذا الأساس فإنّ النساء يوكلن قسماً من مسؤولياتهنّ إلي دور الحضانة للعناية بالأولاد وتربيتهم .
ولاشك في أنّ دور الوالدين وخاصة الأمّهات مهم وأساسي في حياة الأولاد وتربيتهم . فمحيط الأسرة يشبه إلي حدّ كبير البيئة الخضراء والخصبة التي يترعرع فيها الأولاد كما تنمو الزهور النضرة والجميلة . ويري بعض المفكّرين أنّ سعادة الطفل أو شقاءه يرتبطان قبل كلّ شيء بالأسرة وأساليبها التربويّة . ومن البديهي أن للأم دوراً رئيساً في دراسة مكانة الأسرة .
وللأمّ دور خاص في تربية الأولاد من جهتين ؛ الأولي أن الطفل يقضي أهم سنوات تكوين شخصيّته في حضن الأم . وهذه السنوات تمثّل أساس التربية الأولي للطفل والاقتباس من عادات الأم وخصائصها السلوكيّة . والثانية أنّ الأم تعتبر من حيث عواطفها الخالصة ، ملاذاً أميناً للطفل و حينما يشعر الطفل بانعدام الأمن فإنّه يبحث عنه في أحضانها . ويؤكد الطبيب النفسي البريطاني جون بولبي أنّ العلاقة القائمة علي تعلّق الطفل بأمّه تشكّل حجر الأساس في شخصيّته ، حيث يقول في هذا المجال :
لقد اكتشفنا بعد فوات الأوان أنّ الأولاد ليس بإمكانهم إقامة العلاقات مع الآخرين في حالة فقدانهم لتعلّقهم بالأم ، ثم يؤكّد قائلاً : الطفل بحاجة إلي حضور الأم بنفس مقدار حاجته إلي الطعام .
أعزّتنا المستمعين !
إنّ الحركة الفيمينيّة وبدافع من تطرّفها ومن أجل البلوغ بالنساء إلي وضع مساو للرجال ، تعمل علي طرح دور الحضانة باعتبارها بديلاً عن دور الأمومة . ويري الكثير من الفيمينيّين أنّ قضاء الوقت مع الأولاد هو عمل ألقي علي عاتق النساء ولا يمكن التخلّص منه إلّا من خلال دور الحضانة . واليوم فإن انتشار دور الحضانة في الغرب بشكل مجّاني يدلّ علي تخطيط مقصود من أجل إحلاله محلّ دور الأم والأسرة .
وقد صرّح الكاتب الغربي ويليام غاردنر ( William Gardner) في كتاب الحرب ضدّ الأسرة قائلاً : إنّ موضوع دور الحضانة هو أيضاً من الأسلحة الأخري التي يستخدمها الراديكاليّون في حربهم ضدّ الأسرة . وهم لا يريدون دور الحضانة للأشخاص الذين هم في حاجة إليها ، بل يعتبرونها حقّاً عامّاً للنساء كي ينظّموا من جديدٍ الأولويّاتِ الاجتماعيّة ويحرّروا النساء من قيود مسؤوليّة الأمومة . وهو يرون أنّ دور الحضانة عندما تتوفّر بشكل مجاني تحت تصرّف الجميع ، فسوف لا يعود هناك شعور بالحاجة إلي وجود الأسرة الطبيعيّة .
ويقول الكاتب الغربي كارل زينس ميستر (Zins Karl Meister) :
تحظي دور الحضانة بأهميّة كبيرة بالنسبة إلي الفيمينيين لأنها تسمح لهم بإقناع النساء بأنّ بإمكانهنّ التهرّب من مسؤوليّة قرار مصيري ( وهو تربية الأولاد ) .
ويري الكثير من الباحثين أنّ دور الحضانة من شأنها أن تترك الكثير من التبعات السلبيّة علي ذهن الطفل ونفسه ، ومن هذه التبعات ، عدم تولّد حالة الثقة بالنفس لدي الطفل و تكريس النزعة إلي العنف لديه . ويري الأستاذ جي بيلسكي ( jay belsky ) من جامعة ولاية بنسلفانيا أنّ دار الحضانة من شأنها أن تسيء إلي الشعور بالثقة عند الطفل . كما يري الكاتب الغربي بلسكي بارغلو أنّ الأطفال الذين يُرسَلون إلي دور الحضانة ، وخاصة إن تجاوزت المدّة عشرين ساعة في الأسبوع ، فإن ذلك يعتبر بمثابة طرد من قبل الوالدين لأولادهم . ويعتبر بلسكي دور الحضانة التي يتواجد فيها الأطفال لأكثر من ۲۰ ساعة في الأسبوع مكاناً مليئاً بالمخاطر للأطفال والمجتمع بالتالي.
وتُظهر الدراسات المتتابعة أنّ النسبة الأكبر من العنف تتركّز بين الأطفال العدوانيّين ، و التاركين للدراسة و بين الأشخاص المعتقلين و العاطلين عن العمل و المدمنين علي الكحول و المشرّدين و السجناء وغيرهم من الشرائح التي حرمت في طفولتها من العلاقات العاطفيّة .
إخوتنا ، أخواتنا المستعين والمستمعات !
وهكذا فإنّ عدم الاهتمام بمكانة الأم ودورها في تربية الطفل ، خلق الكثير من المشاكل للمجتمعات الغربيّة . كتب ديفيس كنغسلي ( Davis Kingsley) عالم الاجتماع الأمريكيّ قائلاً :
يبدو أنّ من المهام الرئيسة للنظام التعليمي في الغرب ، خلق حالة الشعور بالغربة لدي الأولاد تجاه الوالدين .
و الأم الغربيّة تقضي اليوم معظم وقتها خارج البيت وفي مكان العمل فيما يقضي ولدها أوقاته في دور الحضانة . وبعد عودتها إلي البيت فإنها تعجز بسبب التعب والإرهاق عن أداء دور الأم . كما يعتبر الدكتور بورتون وايت ( Burton White ) من جامعة هارفارد بأميركا ، دورَ الحضانة كارثة للأطفال ، فهو يقول في هذا المجال :
لايمكن إنتاج مستوي كبير من الحبّ الأموميّ في دور الحضانة
ويصرّح الدكتور إليوت باركر الطبيب النفسي الغربي الذي كان يتعامل لأكثر من عقدين مع المجرمين وذوي السلوك العدواني العنيف قائلاً:
أنا في حيرة من أمري وأنا أري الآباء والأمّهات يهملون أولادهم وهم في أشدّ الحاجة إليهم .
وهو يؤكّد أنّ الأشخاص المضطربين نفسيّاً الخاضعين لعلاجه كانوا يواجهون مصيراً مشتركاً ، حيث يضيف في هذا المجال قائلاً :
لقد اكتشفت أن هذا النوع من الأشخاص انفصلوا بعد فترة قصيرة من ولادتهم عن أمّهاتهم و أوكلت رعايتُهم إلي أشخاص آخرين ولم تكن أمّهاتهم إلي جانبهم إلّا نادراً .
مستمعينا الأعزّة !
موضوعنا حول ظاهرة انتشار دور الحضانة وآثارها السلبيّة الهدّامة علي الأولاد ، سنستكمله بإذن الله في الحلقة القادمة من برنامجكم الفيمينيّة تحت المجهر حتّي ذلك الحين لكم منّ خالص التحايا ، وكلّ الشكر والتقدير علي طيب متابعتكم .