أحبّتنا المستمعين الأكارم !
تقبّلوا تحايانا الخالصة في هذا اللقاء الجديد الذي يسرّنا أن يجمعنا بحضراتكم مع محطّة أخري من محطّات برنامجكم الأسبوعي الفيمينيّة تحت المجهر والتي سيدور حديثنا فيها عن الاتجاه التربوي للفيمينيّة فيما يتعلّق بتأصيل عمل المرأة خارج البيت و معارضة المسؤوليّات المتعلّقة بالأمومة والأعمال المنزليّة وتبعات ذلك ، ندعوكم للمتابعة ....
إخوتنا ، أخواتنا المستمعين والمستمعات !
مرّت الإشارة في الحلقة الماضية إلي بعض وجهات النظر الفيمينيّة ومنها العلمانيّة و الابتعاد عن القيم الدينيّة . حيث ابتلي اليوم نظام الأسرة في المجتمع الغربي بالأزمات بسبب الابتعاد عن القيم الروحية والأخلاقيّة . كما درسنا بعضاً من النظريّات والاتجاهات التربويّة للفيمينيّة ومنها تغيير نوع نظرة المجتمع إلي المرأة وإزالة مظاهر التمييز والتفرقة المتواضَع عليها وذكرنا أنّ الدفاع عن حقوق المرأة ومحاربة التمييز ينبغي أن لا يؤدّي إلي زوال معني الحياة و الحطّ من قدر الرجال في المجتمع والإصرار علي أداء دور مشابه ومتساو بين الرجل والمرأة في المجتمع ، لأنّ كلّ ذلك ينتهي إلي خلق الأزمات داخل كيان الأسرة .
وفي الحقيقة فإنّ من بين الأسس الفكريّة للفيمينيّة تشجيعَ النساء والفتيات و إلزامهنّ بالعمل خارج البيت . فأنصار الفيمينيّة يرون أنّ بقاء المرأة في البيت وحرمانها من العمل ، هو العامل الرئيس في حرمانها من الحقوق السياسيّة والاجتماعية والاقتصاديّة . ولذلك ، فإن هذا الظلم وانعدام المساواة لايزول إلّا عندما نشجّع الفتيات منذ البدء ونعدّهنّ للعمل خارج البيت كالفتيان عن طريق التربية الأسريّة ثم الأساليب التربويّة في المدارس . وإذا ما تهيّأت للفتيات أرضيّات المشاركة السياسية والاجتماعية والاقتصادية ، فسوف يدخلن هذه المجالات كالفتيان بكل رغبة وشوق . وفي الحقيقة فإنّ الفرض المسبق الأوّل لتحرير المرأة من وجهات نظر أنصار الفيمينيّة هو انخراط الأنثي من جديد في السوق العامة العمل والصناعة ، وتحويل العمل المنزلي في المرحلة الثانية إلي عمل اجتماعي وتربية الأطفال خارج المنزل . يقول الكاتب سيمون دي بوفوار في كتابه الجنس الثاني :
لا يمكن أن تتجاوز المرأة المسافة بينها وبين الرجل إلّا من خلال التوظيف المُدِرّ للربح و لا يمكن لأيّ شيء آخر أن يضمن حريتها في العمل والتصرّف . وعندما تتحرّر من تطفّلها علي الرجل في المعيشة ، سينهار النظام المؤسَّس علي تبعيّتها .
مستمعينا الأطايب !
يعتَبر مبدأ معارضة تدبير أمور المنزل والأمومة من الأسس التربويّة الرئيسة للفيمينيّة . ولا يمكن إظهار العمل في البيت للمرأة علي أنه حقير إلّا إذا استهين بدورها كأم . ولذلك فقد سعت الفيمينيّة ( وخاصة أنصار الموجة الثانية من الفيمينيّة ) لأن تقلّل من ضرورة دور الأمومة بالنسبة إلي النساء و تشجّعهن علي علي نسبة أعلي من المشاركة الاجتماعيّة . و يتمّ التأكيد في هذا المجال في الإعلام الفيميني علي أنّ الأمومة لا تمثّل اختياراً جيّداً بالنسبة إلي الفتيات . وهم يرون أنّ إدارة أمور البيت والأمومة مادامتا تعتبران واجب المرأة ، و كانت المرأة تميل إلي هاتين المسؤوليتين ، فإنّنا لايمكن أن نتفاءل بشأن خلاصهنّ من تسلّط الرجال . ولذلك ، فقد ذكر بعض الباحثين بحقٍّ هدف الفيمينيّين الراديكاليين هذا بأنه حرب ضدّ الأسرة .
ومن وجهة نظر الفيمينيّة فإنّ عمل الأم في البيت لاقيمة له رغم أنه يؤمّن راحة الزوج والأولاد ، لأنه لا يعود أساساً بالنفع المادي . وهو يرون أنّ من الواجب إلغاء الأدوار التقليديّة المتمثّلة في كون الرجل هو الذي يؤمّن معيشة الأسرة والمرأة هي التي تتولّي مسؤوليّة إدارة شؤون البيت ، هذه الأدوار المؤثّرة في تكوين الهويّة الأنثويّة أو الذكوريّة للأولاد . يقول الكاتب الغربي آن أوكلي مذكّراً بقول لينين إنّ نصف سكّان العالم ماداموا أسري في المطابخ ، فإنّ الشعوب لا يمكن أن تنال حرّيتها ، و مقترحاً ثلاثة مباديء لحرية النساء :
يجب تغيير دور النساء المتمثّل في تدبير شؤون المنزل . كما يجب إلغاء الأسرة و بالتالي إلغاء الأدوار المتعلّقة بجنس الإنسان بشكل كامل . ويقترح الفيمينيّون بهذا النمط من التفكير تشكيلَ الأنواع المختلفة من تجمّعات التعايش السلميّ باعتبارها بديلاً عن الأسرة الحقيقيّة وإيكال مسؤوليّاتها وواجباتها التي كانت في الغالب تؤدّي في مؤسسة الأسرة علي أساس العاطفة و التديّن و الشعور بالمسؤوليّة إلي المؤسّسات التي قامت علي المنفعة . و يبلغ عداء أنصار الفيمينيّة للأسرة حدّاً بحيث إنّ البعض منهم يذكر الأمومة باعتبارها نوعاً من العقاب .
مستمعينا الأعزّة !
ذكرنا أنّ كلّ الفيمينيّين يعتبرون الزواج والأمومة ناجمين عن نظام تسلّط الرجل وهما في الحقيقة أداة لاستعباد النساء ، ولذلك فإنّهم يتفقون علي أنّ كلّ النساء يجب أن يدخلن سوق العمل . يقول الكاتب والفيمينيّ المتطرّف الغربي سيمون دي بوفوار : يجب أن لا يسمح لأيّة امرأة بالبقاء في البيت والانشغال بتربية الأولاد . يجب أن يتغيّر المجتمع بشكل جذري وأن لا يسمح للنساء بأن تقتصر مهمتهنّ علي تربية الأولاد .
ويعبّر بيتي فريدان (Betty Friedan ) الكاتب الفيمينيّ الليبرالي الأمريكي في كتاب الأسرار الأنثوية عن براءته من دور المرأة المنزلي ويدّعي في أبرز تحريف للحقائق أنّ النساء المنشغلات بأدارة شؤون المنزل هنّ كضحايا معسكرات الأسر، بل أسوأ منها .و كان يشجّع النساء علي الدراسة والعمل كي يتحرّرن علي حدّ تعبيره من قفص البيت غير الذهبيّ . وكان الفيمينيّون الليبراليّون الآخرون يرون أنّ المرأة يجب أن تحدّ من تبعيّتها للبيت وأن تواجه المعتقد القائل إنّ البيت هو موضع مناسب لها ، وللأسف فإنّ الفيمينيّة تدفع المرأة في بعض الحالات إلي أن تترك شيئاً يري الكثيرون أنه أكبر فرصة للتربية والسموّ الإنساني .
ولكن وكما نعلم فإنّ من غير الممكن أبداً علي المدي البعيد محاربة فطرة الإنسان و إخفاء الحقائق . وقد حدث ذلك للفيمينيّين أيضاً فلم تتمكّن الكثير من النساء وكذلك الناشطون الفيمينيّون من أن يواجهن حقيقتهنّ الذاتية والأصليّة لأنهنّ نساء وأمّهات في نفس الوقت . ولذلك فقد عمد الكثير من الفيمينيين علي المدي البعيد إلي الرجوع عن مواقفهم و إصلاح أدبيّاتهم وأفكارهم المغلوطة . وعلي سبيل المثال ، فقد طرح بيتي فريدان بعد نشر كتابه أسرار الأنوثـة ومن خلال تأليف كتاب حمل العنوان المرحلة الثانية ، طرح فكرة أنّ المرأة يمكنها أن تجمع بين العمل في البيت وخارجه وأن تتولّي مسؤوليتهما كليهما .
وقد أبدي فريدان في هذا الكتاب قلقه بشأن مستقبل النساء اللواتي فضّلن النجاح في العمل علي تكوين الأسرة و ابتلين الآن بالإحباط واليأس ؛ من مثل النساء المطلّقات اللواتي لا يتمتّعن ببيئة مناسبة للعمل ويعانين من الفقر ، والأمّهات اللائي ينتظرهنّ مستقبل تكتنفه المصاعب ، و النساء اللواتي تحوّل العمل خارج البيت إلي ضرورة بالنسبة إليهنّ و اضطررن للقيام بواجبات البيت والأمومة إلي جانب ذلك .
مستمعينا الأطايب !
انتظرونا حتي الأسبوع المقبل مع ماتبقّي من حديثنا حول نقد الاتجاهات التربويّة للحركة الفيمينيّة ضمن برنامجكم الأسبوعي الفيمينيّة تحت المجهـر ، حتي ذلك الحين لكم منّا كل التقدير والاحترام ، وإلي الملتقي