نص الحديث
قال الامام الصادق عليه السلام: "لو ذقت حلاوة الوحدة: لاستوحشت من نفسك".
دلالة الحديث
الحديث المتقدم يجسد صورة استعارية، حيث يخلع طابع (الحلاوة) على سلوك فردي هو: التعامل مع الله تعالى من خلال مناجاته والتوجه اليه دون ان يقرن هذا التواصل مع الله تعالى مع اي تواصل بشري او غيره، حتي مع الذات الفردية اي: التعامل مع حاجات الفرد غير العبادية، ويعنينا الان ملاحظة البعد الفني في النص فماذا نجد؟.
قلنا: ان النص خلع طابع (الحلاوة) على (الوحدة) النفسية التي تعني: التعامل الصرف مع الله تعالى دون مشاركة اي عنصر سواه، والسؤال هو: ما هي الاهمية الفنية لظاهرة (الحلاوة) وخلعها على (الوحدة)؟ الجواب: الحاسة التذوقية عند الانسان تخضع حيناً كما هو طابع سائر الحواس: كالسمع أو الشم أو.. الخ، الى تذوق فطري أو مشترك بين الناس جميعاً، وحينا تخضع الى تذوق بيئي اي حسب تجربة الفرد لهذا النمط من الطعام، مثلا او ذاك، ومن هنا كان اختلاف الاذواق كما هو واضح، ولكن التذوق الفطري يستوي عند الناس جميعاً فالبشرية جميعاً تتذوق (الحلاوة) اي: الحلو من الاطعمة: كالسكر والتمر والعسل.. الخ، من هنا فان النص حينما قال (حلاوة الوحدة) انما استند الى تذوق بشري عام لما هو حلو من الاطعمة، لكن لنتجاوز هذا الجانب ونتجه الى ملاحظة الحديث من جديد، فماذا نستلهم؟.
بلاغة الحديث
قلنا ان الوحدة هنا تعني: الوحدة مع الله تعالى سواء اكانت هذه الوحدة مكانية او زمانية، اي: سواء اكانت تعني: العزلة عن الاخرين او العزلة عن الحاجات الذاتية للمتعامل مع الله تعالى: بحيث تختفي عند الشخص حاجاته المرتبطة بمختلف انماطها الحيوية والنفسية والعقلية، وتتمحض حاجته الى التعامل مع الله تعالى فحسب كمناجاته مثلا، او حتى في تعامله الاجتماعي بحيث لايسلك سلوكاً الا ويستحضر عظمة الله تعالى ومحبته، فيعاشر الاخر ويقضي حاجات الاخر من اجل الله تعالى ويحب ويبغض الاخر من خلال التشخيص لسلوك الاخر فيتجاوب مع المؤمن وان كان بعيداً، وينعزل عن الفاسق وان كان قريبا وهكذا.
يبقى ان نحدثك عن الحلاوة وما تنتظمها من نكات فنية فنقول: بما ان المخاطب هو: البشر جميعاً، لابد من الانتخاب لحاجة او لدافع أو لغريزة مشتركة بين البشر جميعاً، وهذا ما يفسر لنا انتخاب (الحلاوة) بصفتها حاجة مشتركة من جانب، وبصفتها تتميز بكونها (طعاماً) من جانب اخر، فالطعام هو ما يتيح للبشر جميعاً: الحصول عليه بشكل أو بآخر والحلو منه هو: اشد الاطعمة تذوقاً بالقياس الى غيره من الاطعمة التي لا حلاوة فيها، لذلك عندما ينتخب النص افضل الاطعمة تذوقا ويربطها بأفضل العلاقات بين البشر وبين الله تعالى، يكون بذلك قد جسد عبارة بلاغية لها جماليتها وعمقها.
ختاماً: نسأله تعالى ان يوفقنا الى تذوق حلاوة الوحدة والاستيحاش من النفس، وان يوفقنا الى ممارسة الطاعة انه سميع مجيب.