نص الحديث
قال الامام علي عليه السلام عن الدنيا: "من ساعاها فاتته، ومن قعد عنها واتته".
دلالة الحديث
هذا النص يجسد صورة استعارية تتمثل في اضفاء طابع السعي أو الركض او القعود حيال الدنيا، واما دلالياً فيهدف النص الى تقرير حقيقة هي: ان الدنيا تقبل على الانسان اذا ادبر عنها وتفوته اذا اقبل عليها، هنا قبل ان نحدثك عن هذا النص نلفت النظر الى ان الذهن قد يتداعى من هذا النص الى ظاهرة الرزق حيث ورد عن المعصوم (ع) ان الرزق اذا سعى الانسان اليه يصبح مثله مثل من يزحف الى ظله الامامي حيث لايمكن ان يسبقه بل يظل الظل هو السابق والعكس هو الصحيح حيث ان الظل اذا كان خلف الشخص فانه يتبع الشخص وليس الشخص هو الذي يتبعه، هنا يظل الرزق وتظل الدنيا مشتركين في هذا التشبيه وفي الاستعارة السابقة ومع تداعي الذهن الى الحديث الاخير وربطه بحديثنا الحالي نحاول القاء الاضاءة على الموقف.
ان طرافة الموضوع المرتبط بمن يلهث وراء الدنيا، وبمن يزهد بها تظل حافلة بجملة اثارات منها: ان قارئ النص قد يتجه ذهنه الى ان الدنيا تحتاج الى سعي ما، وكذلك الرزق ولكن الامام (ع) يصوغ حديثه المتقدم، تاركاً لنا تأويل الدلالة، كيف ذلك؟ ان السعي يتحدد بمقدار خاص كقوله (ع) اذا بسطت بساطك كفى اي: يأتيك الرزق بمعنى الاجمال في الطلب وكذلك الدنيا في اشباعاتها الاخرى: كالصحة والامن.. الخ.
بلاغة الحديث
ان بلاغة حديث الامام (ع) تتمثل طرافتها في المقارنة بين السعي الى الشئ وبين القعود عنه، فالرزق والصحة او الامن يتحقق الحصول عليها بالتوكل على الله تعالى حيث يرسل الرزق بحسب متطلبات الحكمة الالهية. وكذلك سائر الاشباعات او الحاجات. ومادامت النصوص الشرعية تقرر بان المقضي عن الله تعالى هو المتحقق حينئذ ماذا ينفع المتمرد على ذلك اي: غير الراض بذلك؟ من هنا نتبين طرافة الحديث المتقدم في تأويلنا بان المقضي هو المتحقق سواء اقلنا بذلك في ميدان الرضا بقضاء الله تعالى وقدره أو بدعائنا الى الله تعالى في ذلك حيث يظل المقضي بعد الدعاء مطبوعاً بنفس النتيجة وهي: مايريده تعالى هو المتحقق.
والان الى ملاحظة طرافة الحديث، فماذا نستلهم؟ "من ساعاها فاتته، ومن قعد عنها واتته"، اولاً: قد استخدم الامام (ع) بلاغة الصياغة للكلمة حيث استخدم (ساعى) و(واتى) بدلاً من (سعى) واتى اي: استخدم المفاعلة التي تعني: بذل جهد اكثر من المطلوب او العادي، هذا من جانب. من جانب اخر: التضاد من خلال التماثل والتماثل من خلال التضاد حيث ان السعي والقعود متضادان، وحيث ان المواتات و(الفوات) متضادان ولكن كلا منهما يتم من خلال التماثل اي: ان الاشباع يتحقق من خلال القعود، فالاشباع هو الهدف واما السعي والقعود فهما: الواسطة.
اذن: امكننا ان نتبين طرافة الحديث من حيث دلالته العامة وطرافته من حيث الصياغة البلاغية التي تعتمد التضاد من خلال التماثل والتماثل من خلال التضاد بالنحو الذي اوضحناه.
ختاماً: نسأله تعالى ان يوفقنا الى ممارسة الطاعة انه سميع مجيب.