نص الحديث
قال الامام الحسن عليه السلام: "من تذكرّ بُعد السفر اعتدّ".
دلالة الحديث
الحديث المتقدم ينطوي على صورة بلاغية نطلق عليها الصورة "الرمزية الاستدلالية"، اي: الصورة التي تعتمد "الرمز"، وتتوكأ على "الحكمة". والآن الى تحليل الكلمة المذكورة او الحديث المتقدم، ونبدأ بدلالته فنقول: المقصود من (اعتدّ) هو: استعدّ، وبهذا تكون دلالة الحديث: من تذكر بعد السفر: استعدّ له، اي جهزّ نفسه بما يحتاج اليه من الزاد والراحلة وما يرتبط بجميع حاجاته التي ينتفع بها او يحتاجها في سفره، هذا هو التعبير الدلالي للحديث، ولكن: ما هي بلاغته؟.
قلنا: يتضمن الحديث جانبين بلاغيين، احدهما، الرمز، والآخر: الاستدلال ولكن: ما هو الرمز اولا؟ الرمز هو: التعبير عن شئ لا محدد بعبارة محدودة، او: هو: عبارة (حاضرة) تشير الى دلالة (غائبة)، واما الاستدلال: فهو صياغة حكمة معينة في تعبير خاص يتضمن المقدمة والنتيجة، وفي ضوء هاتين الظاهرتين، نتقدم الى ملاحظة الجوانب الفنية للحديث.
ان كل عبارة او كلمة في الحديث المتقدم (ترمز) الى شئ (غائب) او دلالة غائبة لفظياً، ولكنها حاضرة معنوياً او دلالياً، فعبارة "من تذكرّ بعد السفر" تعني: من تذكر اليوم الآخر وما يواكبه من الحساب، وما يترتب عليه من الجزاء (رضاه تعالى والجنة) انشاء الله تعالى، أو سخطه والنار (اعاذنا الله تعالى منهما)، والآن: حينما يتذكر الانسان يومه الآخر بالنحو الذي لاحظنا، حينئذ: ماذا يترتب عليه؟ يترتب عليه ان (يستعدّ) لهذا اليوم الآخر، اي: ان الزاد والراحلة وغيرهما مما يحتاج المسافر اليه يظل رمزاً لما يجب على الانسان ممارسته من العمل بالواجب والمندوب، والترك للمحرم والمكروه، وتحويل ما هو (مباح) الى ما هو (مندوب)، وبذلك يكون قد استعد لسفر الآخرة.
اذن: ادركنا عمق الحديث المتقدم، واحتفاله بالدلالات المكثفة والجديرة حقا بالتفكير وما يترتب عليه من ضرورة محاسبة الانسان نفسه، وان يحذر كلّ الحذر ما يقف حاجزاً من تحقيق وظيفته التي خلقه الله تعالى من اجلها: تبعاً لقوله تعالى: "وما خلقت الجنّ والانس الّا ليعبدون ".
ختاماً: نسأله تعالى ان يوفقنا لممارسة الطاعة، انه سميع مجيب.