نص الحديث
قال الامام علي (عليه السَّلام): "من تذكر بُعد السفر، استعد".
العبارة المتقدمة هي: صورة استدلالية رمزية ونقصد بالاستدلال: عملية تقديم الدليل لإثبات الشيء، وقد يطلق على النص المتضمن (حكمة) استدلالا ايضا... واما الرمز فهو: التعبير عن شيء غائب بلفظ حاضر، مثاله: النص المتقدم للامام علي (عليه السَّلام) في قوله "من تذكر بُعد السفر: استعد"...
والان الى تحليل النص المتقدم: دلالياً وجمالياً...
من حيث الدلالة يذهب النص المذكور الى ان الشخصية عندما تتذكر الموت فعليها ان تعمل بوظيفتها العبادية وتحرص على أدائها بحيث تفرغ ذمتها مما هو مطلوب منها... وفي مقدمة ذلك ان تعمل بما هو واجب ومندوب، وان تترك المحرم والمكروه، وان تحول المباح الى مندوب ثم ان تتدارك ما فاتها: كالتوبة من الذنوب، واداء الحقوق المرتبطة بالآخرين مادياً ومعنوياً،... وقضاء ما فاتها من المطلوب: كالصلاة والصوم والحج الخ... اولئك جميعاً عبَّرَ النص عنها بعبارة (أستعد) اي: أعد ما يحتاجه في سفره من الزاد والراحلة.
والآن: نتجه الى بلاغة النص المتقدم، حيث اعتمد الرمز والاستدلال وهذا ما نحاول الوقوف عنده.
بلاغة الحديث
لقد استخدم الامام علي (عليه السَّلام) (الرمز) في انجح مستوياته ألا وهو: انتخابه لمفردة (السفر) والاستعداد و(التذكر) و(البعد).
هذه المفردات الاربع تحفل ببلاغة فائقة من حيث انطواؤها على دلالات غائبة مقابل اللغة المستخدمة انه (عليه السَّلام) استخدم (السفر) رمزاً للموت، واستخدم (بعد) رمزاً لليوم الآخر بما فيه من (برزخ) وحساب ومصير ابدي، واستخدم (تذكر) رمزاً لمن يجب ان يعرف فلسفة وجوده في الارض وهي: العمل العبادي واستخدم مفردة (استعد) تعبيراً او اشارة الى ماينبغي ان يفعله من الممارسات التي تنجيه من العقاب الاخروي.
والان في ضوء الرموز المتقدمة.. ماذا نستلهم؟ نستخلص من ذلك ان الشخصية يتعين عليها الا (تغفل) عن وظيفتها التي خلق الله تعالي الانسان من أجلها وهي: الممارسة العبادية او الخلافية... عليها ان تذكر الموت وتحياه في ذهنها وقلبها لانه مفض الى تحديد مصيرها الابدي فبالموت ينقطع الامل، وبالموت تتجه الشخصية الى تحقيق تطلعاتها حيث ان الطاعة هي المحققة لذلك، وحيث ان المعصية والغفلة هي المحبطة لتطلعاتها فعليها – اذن- ان تتخير ... ومن الطبيعي ان تختار الطاعة، ورضاه تعالى والجنة وتتجنب المعصية وسخطه تعالى والنار...
ختاماً: اتضح مما تقدم ما تحفل به كلمة الامام (عليه السَّلام) من اسرار دلالية وجمالية سائلين الله تعالى ان يجعلنا ممن يستعد لسفره وان يوفقنا الى الطاعة، انه سميع مجيب.