نص الحديث
حديث الامام جعفر الصادق عليه السلام: "اذا اعطيت بيمينك فلا تطلع عليها شمالك" .
دلالة الحديث
الحديث المتقدم يتناول الصدقة سراً، قبالة من يتصدق جهراً امام الاخرين، طبيعيا ثمة فارق بين ان يتصدق امام الاخرين وهدفه تشجيعهم على الانفاق، وبين ان يتصدق وهدفه الرياء، والحديث يتناول الحالة الثانية، اي: ضرورة ان يتصدق سراً من اجل الله تعالى. وفي حديث اخر يبين الامام الصادق عليه السلام ثمرة مهمة لصدقة السر وهي ان الله تعالى يعطي المنفق اذا ستر صدقته ثواب ذلك امام الملأ في اليوم الاخر، حيث لا يضر الانسان ان لا يطلع على صدقته في الدنيا، وبالعكس ينتفع بذلك في اليوم الاخر حيث يعوضه لله تعالى امام الملأ باجمعه جزاء صدقته السرية.
والان اذا عرفنا الدلالة الفكرية لمفهوم صدقة السر يجدر بنا ان نفهم بلاغة الحديث حين رسمه الامام الصادق عليه السلام وفق صورة رمزية هي الشمال مقابل اليمين فماذا نستلهم من عبارة "لاتطلع عليها شمالك" ؟. الجواب: ان اليمين تعبير حقيقي عن اعطاء الصدقة، ولكن الشمال يقترن بتعبير رمزي دون ادنى شك. لذلك يتسائل قاريء الحديث: هل ان الشمال له ادراك حتى يطلع على ما صدر من اليمين؟.
طبيعياً: ان الصدقة من وراء الصورة ليس بهذه البساطة التي يتخيلها قاريء الحديث، بل الهدف هو: ان اليسار هو رمز للناس، او رمز للمباهاة او رمز للرياء، بيد ان السوال لماذا انتخب الامام (اليسار) رمزا بدلا من رموز سواها نشير الى المعنى المذكور.
بلاغة الحديث
ان الطرافة البلاغية للصورة التي رسمها الامام عليه السلام تتمثل في جملة نكات منها: ان اليسار هي قبالة اليمين فيكون الامام بذلك قد توكأ على اليدين بصفتها رمز للانفاق، ولكن بما ان الانفاق له وجهان احدهما: من اجل الله تعالى، والاخر من اجل الشيطان، لذلك جعل اليمين رمزا واقعيا يجسد الانفاق من اجل الله تعالى، وجعل (اليسار) رمزا لغير الله تعالى، فيكون التقابل حينئذ بين اليمين واليسار، تقابلا بين الله تعالى والشيطان، وهذا منتهى الطرافة في الصياغة البلاغية.
ختاماً: نسأله تعالى ان يوفقنا الى ممارسة الطاعة في شتى ميادينها، ومنها في الانفاق من اجله تعالى ومن ثم في مطلق ممارساتنا، وان نتصاعد بها الى النحو المطلوب.