نص الحديث
قال الامام زين العابدين (ع): "انطقني بالهدى، والهمني التقوى"
دلالة الحديث
النص المتقدم ورد في احد أدعية الامام السجاد عليه السلام، وقد انتخبناه لتضمنه اولاً استعارةً هي "انطقني بالهدى" ولتضمنه تقابلا بين النطق والالهام في عبارة "الهمني التقوى" . لكن قبل ان نحدثك عن بلاغة هاتين العبارتين، ينبغي ان نذكرّك بدلالتها، اي: الهدى، والتقوى، فما هي دلالتهما؟ الجواب: الهدى هو قبالة الضلال، اي: المعرفة بصواب المبادئ التي يلتزم بها الشخص وهي (مبادئ الله تعالى) متمثلة في التعليمات الاسلامية بعامة. وامّا التقوى فهي: الالتزام عملياً بالمبادئ المذكورة مع احتياط بالغ في العمل بها بعيداً عن اية شبهة محتملة. والآن مع معرفتنا بهذين المصطلحين دلالياً، نتجه الى البحث جمالياً، اي: بلاغياً، فماذا نستلهم؟.
بلاغة الحديث
السؤال الاول هو: ما هي الأسرار الكامنة في عبارة "انطقني بالهدى" ، بينما عبّر عن التقوى بعبارة "الهمني التقوى" ؟ أليس "الهدى" و "التقوى" موضوعين عباديين متسمين بمعرفة صواب المبادئ الاسلامية واليقين بذلك؟ الجواب: قلنا، ان " الهدى" هو: معرفة الحق، بينما التقوى هي: الالتزام الجادّ بالحق، وهذا يعني: ان الفارق بينهما له مسوغاته، حيث يمكن مثلاً ان يعرف الانسان الحق، ولكن لا يلتزم به، او يلتزم به بعامة دون ان يقترن بالاحتياط البعيد عن الشبهة. والآن مع هذا الفارق نتجه الى تحليل العبارتين.
بالنسبة الى العبارة الاستعارية "انطقني الهدى" نجد ان الاستعارة المذكورة من الممكن ان تتحول الى عبارة حقيقية لا مجازية، بصفة ان الهدى الذي يصل إليه الشخص يعد علماً، والعلم زكاته: تعليمه للآخر، بمعنى ان الشخصية الاسلامية الملتزمة، تعرف الحق وتعرفّه الى الآخرين اشاعة للمعروف ونشره. اما "التقوى" فهي ليست الا الالتزام العملي بمبادئ الحق، والانسان لا يحتاج الى الالتزام بالتقوى الى الإفصاح عنه لغوياً، بل يتحقق من خلال الفعل كما هو واضح.
اذن: "اللهم: انطقني الهدى" والفارق بينها وبين عبارة "ألهمني التقوى" حيث ان التقوى تحتاج الى مزيد من التوفيق وهو ما يلهمه تعالى للعبد الحريص على الالتزام بمباديء الله تعالى.
ختاماً: نسأله تعالى ان يوفقنا الى الهدى والى التقوى والى ممارسة الطاعة بعامة، انه سميع مجيب.