نص الحديث
قال الامام الحسن (عليه السَّلام): المزاح: يأكل الهيبة.
دلالة الحديث
الحديث المتقدم يتناول ظاهرة لا يكاد يخلو منها مجتمع ما، بيد ان التصور الاسلامي للمزاح يتناوله من زاويتين، ايجابية، وسلبية، اما الايجابية فهي: المزاح الذي يستهدف صاحبه ادخال السرور علي الاخر، بينما يتسم المزاح السلبي بأنه عدواني، اي: يستهدف صاحبه إلحاق الاذي بالآخر، اي: انه تعبير عن نزعة عدوانية، ولذلك وسمه الامام زين العابدين (عليه السَّلام) بأنه: سب صغير، ويقصد به: النزعة العدوانية التي يصدر عنها صاحب المزاح، فيتخذ المزاح بصفته مقبولاً في المجتمعات ستاراً يتقنع به للتعبير عن نزعته العدوانية، بصفة ان العدوان غير مقبول اجتماعياً. المهم ان الامام الحسن (عليه السَّلام) في ذهابه الي ان المزاح يأكل الهيبة ينظر إليه من الزاوية السلبية، وهو بالاضافة الي كونه تعبيراً - في غالب الاحيان - عن نزعة عدوانية، إلا ان الاكثار منه حتي لو كان ايجابياً يسبب استجابات سلبية تنعكس علي صاحب المزاح، ألا وهو: الجرأة عليه، وتسبيبه لذهاب الهيبة اي: ان ذهاب الهيبة يتنافي مع احد دوافع الشخصية، ألا وهو: الدافع الي التقدير الاجتماعي والتقدير الذاتي، وهذا من حيث دلالة الحديث.
بلاغة الحديث
الحديث المذكور يجسد عبارة فنية، هي انتسابه الي الاستعارة، اي: ان الامام (عليه السَّلام) خلع طابعاً مادياً علي سلوك معنوي، اي: خلع صفة (الاكل) - وهو مادي - علي ذهاب الهيبة وهو معنوي، فالهيبة تعني: اكساب الشخصية تقديراً واحتراماً، فاذا ذهبت الهيبة، سقطت الشخصية واقترن موقعها عند الاخرين بالهوان الاجتماعي، والسؤال الآن، هو: ما هي النكتة البلاغية الكامنة وراء الاستعارة المذكورة؟ واضح ان الهيبة مادامت تعني مظهراً للشخصية، حينئذ فان (الاكل) لهذا المظهر يعني غيابه عن الشخصية فمع ان الشخصية في الحالتين لها موقع اجتماعي، الا انه في حالة (الهيبة) يقترن موقعها بظهور التقدير، اما في حالة (الهوان) فيقترن موقعها بعكس ذلك، من هنا تجئ استعارة (الأكل) متناسبة مع ذهاب الهيبة، لان المزاح هو المسبب لذهاب الهيبة، بمعني انه (آكل) لها، مما تتناسب ظاهرة (الاكل) مع ذهاب الطعام الذي يتغذي به الشخص، اي: التقدير الاجتماعي وحينئذ يبقي جائعاً لا وجود للتقدير حياله، وهو موت للشخصية، كما هو واضح .