نص الحديث
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): لا يخلون رجل بأمرأة الا كان ثالثهما الشيطان.
دلالة الحديث
الحديث المتقدم يجسد صورة فنية ولكنها ليست تخيلية بل واقعية، اي: ان الصور الفنية قد تكون تخيلية منتزعة من الواقع (كما لو شبه الكافر بالحيوان) فالحيوان والكافر جنسان متفاوتان، ولكن انعدام الذكاء لدي الانسان يسوغ تخيلياً تشبيهه بالانعام، اما الحديث الذي ربط بين الرجل والمرأة والشيطان فإنه ليس تخيلياً، بل هو صورة واقعية، كل ما في الأمر أن الشيطان غير مرئي بقدر ما يمارس فاعلية، هي ايقاعهما في العمل غير المشروع.
المهم ان الصورة المتقدمة تقرر- من حيث دلالتها - ان اجتماع المرأة والرجل من غير المحارم وحدهما، يقتادهما الي الوقوع في حبائل الشيطان، وهذا من الوضوح بمكان، بيد ان السؤال بلاغياً هو: ما هي الاسرار الكامنة وراء وقوع الرجل والمرأة في فخ الشيطان، بحيث يكون الثالث بينهما؟
بلاغة الحديث
من البين، ان كلاً من الرجل والمرأة يجسد محركاً او منبهاً او مثيراً حيال الاخر والمثير يتسبب - بلا ترديد - في محاولة تحقيق الاشباع، ولكن مادام المثير الجنسي خارجاً عن العلاقة الزوجية - محرماً، حينئذ فان الوظيفة المطلوبة من الجنسين هي: الابتعاد عن المثير، وهو يتحقق في حالة وجود الرقيب الحسي عليهما ولكن بما ان المؤمن لا يعنيه الرقيب البشري بقدر ما يعنيه الرقيب الالهي: حينئذ يستطيع بقواه ان يبتعد عن المثير الجنسي، بعكس الشخصية العادية حيث ان المثير الجنسي بصفته اقوي الدوافع واشدها الحاحاً، يجعل الشخصية معرضة بسهولة الي الوقوع في السلوك غير المشروع، وهذا ما اوضحه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حينما قرر بأن الرجل والمرأة اذا اختليا يكون الشيطان ثالثاً لهما.هذا التعبير اي: (ان الشيطان ثالث للرجل والمرأة المختليان) هو الصورة البلاغية المتسمة بالعمق والطرافة والواقعية، كيف ذلك؟
واضح، ان الطرف الثالث، هو المزين للعمل الشرير كالنظرة المحرمة بينهما، أو تجاوز ذلك الي سلوك أكثر مفارقة أو حتي الممارسة مثلاً، من هنا فإن التعبير عن ثالثية الشيطان يظل مفصحاً بدقة عن فاعلية هذا العنصر وذلك لسبب واضح، هو انه غير مرئي اي انه ليس بمنبه مرئي حتي يخشاه الرجل او المرأة بل هو منبه غير مرئي، حيث يغفل الطرفان عن وجوده، وهذا ما يشجعهما علي ممارسة الانحراف، من هنا طالب النبي (صلى الله عليه واله وسلم) بعدم اختلاء الرجل بالمرأة، ولم يقل: اذا اختلي احدهما بالآخر فلا ينصاع للشر، بل طالب اساساً، ان يبتعدا حتي لا يتحقق وجود المثير الجنسي بالنحو الذي اوضحناه.
ختاماً نساله تعالي ان يبعدنا عن وساوس الشيطان، وان يجعلنا مراقبين لسلوكنا، وان يوفقنا الي ممارسة الطاعة، انه سميع مجيب .