نص الحديث
قال الامام الجواد (عليه السَّلام): توسد الصبر، واعتنق الفقر، وارفض الشهوات، وخالف الهوي.
دلالة الحديث
ان هذا النص او الحديث يتطلب كلاماً مفصلاً قد لا يسمح به لقاء واحد نظراً لتعدد عباراته، وتشابهها، وتلفعها بشيء من الضبابية المتسمة بالشفافية، ثم بعمق دلالاتها، واخيراً انعكاساتها علي قارئ الحديث، اذن لنتحدث عن هذه المستويات.
السؤال الاول هو: لماذا عبر الحديث بعبارة (توسد) بالنسبة الي (الصبر) بينما عبر عن الفقر بعبارة (اعتنق)؟
وهذا بالنسبة الي الامر بما هو ايجابي ونعني بذلك، كلاً من (الصبر) و (الفقر) واما بالنسبة لما هو سلبي ونعني به كلاً من عبارتي (الشهوات) و (الهوي)، فقد عبر عن تلك المفردتين بعبارتي (ارفض) و (خالف).
السؤال الثاني: ما هو الفارق بين (ارفض) ثم بين (خالف)؟
أليس كلاهما تركاً للشيء، اي: من يترك المعصية مثلاً، هو يخالف رغباته ويرفضها، فلماذا عبر الحديث عن الشهوات بضرورة (رفضها) بينما عبر عن (الهدي) بضرورة مخالفته وليس رفضه؟
اذن نحن الآن امام تساؤلات متنوعة تتصل بالفارق بين الشهوة والهوي، والفارق بين (الرفض) و(المخالفة) لماذا عبر عن الهوي بالمخالفة وعبر عن الشهوات بالرفض؟
اذن لنتحدث عن هذه الجوانب ونقف اولاً عند عبارتي (توسد الصبر) و (اعتنق الفقر). فماذا نستلهم منهما؟
بلاغة الحديث
قبل ان نتحدث عن النص المتقدم، يجدر بنا ان نشير الي الفارق بين العبارتين دلالياً ثم: جمالياً او بلاغياً، ونبدأ ذلك دلالياً فنتساءل: ماذا يقصد بعبارة (توسد الصبر)؟
الصبر هو: عدم الجزع، أي ضبط النفس وعدم انصياعها العاطفي امام الشدائد، كموت الاحبة، أو فقدان الامن، او حصول المرض العضال.
كذلك بالنسبة الي اشباع الحاجات، حيث ينبغي ان تصبر حيال ذلك، كتأجيلك مثلاً للحاجة الي المال اذا كان الحصول مقروناً بما هو محرم مثلاً حيث يتطلب الموقف (الصبر) علي حصولك للمال المذكور، بمعني انك تؤجل اشباع هذه الحاجة الي المال وتصبر علي ذلك، اطاعة لله تعالي.
واما جمالياً او بلاغياً فقد استخدم الحديث عبارة (استعارية) هي (توسد) اي: اجعل الصبر بمثابة (وسادة) تتكئ عليها او تجلس عليها.
والسؤال هو: لماذا استخدم الحديث عبارة (توسد) دون غيرها؟
ولم يقل مثلاً (اعتنق)، بينما استخدم (اعتنق) بالنسبة الي (الفقر) فقال (اعتنق الفقر) بينما قال بالنسبة الي الصبر، (توسد الصبر)؟ هذا التساؤل من الأهمية بمكان (نحدثك عنه لاحقاً ان شاء الله تعالي).