نص الحديث
قال النبّي (صلى الله عليه وآله وسلم): ان العبد لينال بحسن خلقه درجة الصائم القائم.
دلالة الحديث
الحديث المشار اليه، يظل احد الاحاديث التربوية أو العبادية التي تعني بصياغة الشخصية السوية، حيث يطمح علماء النفس والتربية والاجتماع الي تحقيق التوازن الفردي والاجتماعي من خلال مجموعة مبادئ، تجيء الاخلاق الحسنة في مقدمتها، حيث ان هذه الصفة ليست باليسيرة بقدر ما تتطلب وعياً حاداً، ولكنها في الآن ذاته تعد امراً هيناً في حالة ما اذا دربّ الانسان سلوكه علي هذه السمة. المهم، ان النبّي (صلى الله عليه وآله وسلم) يشير الي واحدة من المبادئ الاجتماعية التي تجعل الطبقات الاجتماعية متوازنة، في نفس الوقت تدرب افراده علي التوازن الفردي.
والسؤال اولاً: ما هي دلالة الحديث؟، ثانياً: ما هي معالم بلاغته؟
اما دلالة الحديث فلا تحتاج الي توضيح، لأنها تشير الي ضرورة ان تصدر الشخصية عن الاخلاق الحسنة في تعاملها مع الآخرين، ومن ذلك مثلاً التعامل بالبشر وبالبشاشة من حيث الوجه، وباللين والرقة من حيث الكلام، وبالتواضع والزيارة والتعاون من حيث السلوك العام.
ومسألة حسن الخلق عائدة علي صاحبه قبل ان تنعكس علي الآخرين، لأن الاخلاق الحسنة تزيل آية توترات في الاعماق، وذلك من خلال الانفتاح عاطفياً وفكرياً حيال الآخر، وبذلك ينسي نفسه من جانب، وتغيم الكراهية من اعماقه من جانب آخر، وهذا هو ما يوصي علماء النفس والاجتماع والتربية في التدريب علي تعلّم السلوك السوي فردياً واجتماعياً.
بلاغة الحديث
والآن الي بلاغة الحديث، فماذا نستلهم؟ الحديث يتضمن ما نطلق عليه بالتشبيه الواقعي، حيث ان الصائم القائم يتميز بسلوكين مجهدين هما: الصوم والصلاة ليلاً، وكلاهما مجهدان، لأن الصوم هو تأجيل لشهوة الطعام والشراب، وقيام الليل تأجيل للحاجة الي النوم والراحة والسبات.
اذن، عندما يشبّه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) صاحب الخلق الحسن بالصائم القائم، انما يقدّم لنا اولاً تشبيها واقعياً، وثانياً: يقارن بين نمطين من الاتعاب أو الشدائد جسمياً ونفسياً، من حيث اشتراكهما في هذا الميدان.
والطرافة هي: ان حسن الخلق لمن يصطفيه يتسم ببذل الجهد، كما يتسم الصوم والقيام بذلك ولكن مع التدريب يتحول حسن الخلق الي راحة تلقائية لا تصحبها شدائد العطش والجوع وقيام الليل.