نص الحديث
قال الإمام علي (عليه السلام): العفاف زينة الفقر والشكر زينة الغني.
دلالة الحديث
الحديث المتقدم يشير الي ظاهرتين متضادتين، ولكنهما متجانستان في التعامل، انهما الفقر والغني، لقد جعل الحديث الفقر والغني متضادين، ولكن اخضعهما لسمة واحدة هي (الزينة) أو الحسن، وهذا هو تجانسهما. بيد أن المطلوب هو: معرفة ما تعنيه (الزينة) لكل منهما. ان الزينة هي: التجمل أو الحسن في المظهر الخارجي للشيء: كالزينة في الملابس الخارجية مثلاً، والحديث عندما يجعلهما (اي: الفقر والغني) خاضعين للزينة انما يحدثنا عن نمط التعامل مع الفقر والغني، فالفقير وهو لا يملك ما يتزين به خارجياً، اي في الملبس مثلاً، حينئذ فان ما يمتلكه داخلياً، اي النفس او شخصيته من حيث القناعة او الصبر علي ما يعانيه، تجعله متزيناً بالعّفة، اي: الامتناع عما لا يحل له: كأن يمتنع من السرقة او من الاستجداء بحيث يحسبه الناس غنياً من التعفف، وهو قمة الكرامة او العز الذي ينبغي ان تختصه الشخصية المؤمنة.
واما الغني فان التزين المرتبط به هو الشكر لله تعالي علي النعمة التي اغدقها تعالي علي العبد، فيكون الشكر زينة او جمالاً او حسناً تتلبس الشخصية به ولعل الحديث عن البلاغة التي تطبع الحديث المتقدم، يسعفنا علي توضيح الدلالة بشكل أكثر.
بلاغة الحديث
لقد انتخب الامام علي (عليه السلام) (الزينة) لكل من الغني والفقر، والسر الكامن وراء ذلك ان ما لاحظناه في النص القرآني الكريم القائل بما مؤداه: ان الفقراء الذين لا يمدون ايديهم الي الآخرين، يحسبهم الناظر اليهم بأنهم (اغنياء) من التعفف بمعني ان الناظر انما هو متجه بنظره الي هيكل الشخصية من حيث تصرفها اللغوي مع الآخر، او مد اليد، وكلاهما مظهر خارجي يتناسب مع الزينة التي هي: هيئة وملبس ومظهر جميل وحسن منطق، رصين متعفف.
اذن التناسب بين الزينة التي هي: المنظر الحسن، وبين الفقر الذي هو تعفف للناظر الي الفقير يظل من الطرافة بمكان.
واما بالنسبة الي (الزينة) وعلاقتها بالشكر من حيث صدوره عن الغني، فأن الشكر - وهو تعبير لغوي - يظل متناسباً مع الزينة، لان الشكر هو حسن او تعبير جميل عن تقدير الشخصية لخالقها الذي انعم عليها بالغني، انه - اي الشكر - مظهر خارجي منطوق، وحتي الشكر الداخلي اي القلبي فانه لغة ايضاً، وعلماء النفس والفن طالما يشيرون الي ان ما يخطر في القلب انما هو لغة او حوار داخلي غير مسموع: كما هو بين.