في لقاء سابق، حدثناك عن مقدمة دعاء العهد، حيث تضنمت المقدمة مناداةً لرب النور والكرسي... والملائكة والانبياء....، ثم جاء الموضوع الرئيس او المستهدف اساسا وهو ندب شخصية العصر الامام المهدي(ع)... لكن قبل ذلك نواجه تمهيداً جديداً هو السؤال المتوسل بجملة من سمات (العظمة) الالهية، على النحو الآتي: (اللهم اني أسألك بأسمك الكريم، وبنور وجهك المنير، وملكك القديم، يا حي يا قيوم، اسألك باسمك الذي اشرقت به السماوات والارضون، وباسمك الذي يصلح به الأولون والآخرون، يا حياً قبل كل حي، ويا حياً بعد كل حي، ويا حياً حين لا حي، يا محيي الموتى، ومميت الأحياء، يا حي لا اله الا انت اللهم بلغ مولانا الامام الهادي المهدي....) في هذا المقطع من الدعاء نلاحظ توسلاً بثلاث ظواهر هي: الإسم، الوجه، الملك... ونلاحظ بعد ذلك نداء تتكرر عباراته عبر مضمون او موضوع واحد هو: سمة (الحي) وسمة (المميت)... وفي حينه اي في لقائنا السابق تساءلنا: هل هناك نكتة او سر يقف وراء العبارات المتكررة لموضوع الاحياء والاماتة؟ هل له علاقة بظاهرة الرجعة المنطوية على الاماتة والاحياء، بصفها اي الرجعة مرتبطةً بظهور الامام المهدي(ع) هذه التساولات طرحناها في لقاء سابق، ونحاول الاجابة عنها الآن ولاحقاً إن شاء الله تعالى...
لكن: لنتحدث اولاً عن السؤال المتوسل بالله تعالى من خلال العبارات القائلة (اللهم اني اسألك بأسمك الكريم، وبنور وجهك المنير، وملكك القديم)...
وهذا ما بندأ به الآن....
ان السؤال المتوسل بهذه السمات او الظواهر الثلاث: اسم الله تعالى الكريم، وجهه المنير، ملكه القديم، لابد وان ينطوي على اسرار ونكات يجدر بقارئ الدعاء ان يلم بها... اذن: نحن حيال (الاسم الكريم والوجه المنير، والملك القديم)... والسؤال هو: ماهي العلاقة المشتركة بين هذه الظواهر؟ والسؤال قبل ذلك: ماذا تعني هذه السمات؟...
بالنسبة الى الاسم، نستطيع ان نستخلص بوضوح بان (الاسم) هو: المحدد للهوية والمستقطب لها... لذلك، فان التوسل به يعني: التوسل بالله الاحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد...
اما بالنسبة الى (الوجه) فان المقصود منه: ليس السمة المادية لأن الله تعالى منزه عن الحدوث، بل المقصود هو (الرمز)، اي: ما يرمز الى دلالة ما،...
فما هي هذه الدلالة؟...انه من الواضح، ان (الوجه) في التجربة البشرية هو المحدد لهوية الشخص(ليس من حيث الاسم) بل من حيث التعريف بملامحه الفيزيقية ... فاذا نقلنا ذلك الى (الرمز)، حينئذ تتداعى بأذهاننا (بعد ان تعرفنا على الاسم) الى الملمح الرمزي، اي: ما يرمز به الى (الفيض) الذي أفاضه تعالى على الوجود، متمثلاً فيما اطلق الله تعالى سمته (النور) على ذلك... ألم يقل الله تعالى عن ذاته (الله نور السماوات والارض...) اذن: التوسل بوجه الله المنير يعني: التوسل بما افاضه على الوجود...
واما بالنسبة الى (الملك القديم)، حيث سأل الدعاء متوسلاً بملك الله القديم قائلاً (وملكك القديم)... هذا التوسل يظل محفوفاً بشئ من التساؤل حيال دلالته العامة من جانب، ومجيئه في سياق (الاسم) و(الوجه)...
اذن: لنتحدث عن هذه الظاهرة...
بالنسبة الى (الملك) من الممكن ان يجئ بمعنى (الملوكية)، أو يجئ بمعنى (المالكية)... ففي الدلالة الاولى: يستخلص قارئ الدعاء بان الله تعالى (ملك) الوجود، اي: السيد والقادر والمفزع كما هو وارد في سورة الناس عبر قوله تعالى (ملك الناس).... واما بالنسبة الى الدلالة الاخرى وهي (المالكية)، فان قارئ الدعاء يستخلص دلالتها الواضحة في ملكيته لناصية الوجود.... والمهم بعد ذلك هو : السمة التي التحمت بظاهرة (الملك) وتعني بها (القديم).... ولعلنا جميعاً نعرف تماماً بان (القديم) بمعنى (الأزلي) اي: مقابل ما هو (حادث)... والدعاء حينما يتوسل بما هو (أزلي) يعني: التوسل بلا حدود، وهو امر يقترن او يتداعى بذهن قارئ الدعاء الى معطيات الله تعالى المطلقة في شتى الصعد...
يبقىان نحدثك - ولو سريعاً- عن السياق الذي ترد فيه سمة (قدم الملك) بين السمتين الأخريين (الاسم الكريم) و(الوجه النير)، وهو امر يمكننا ان نتدرج به بدءاً من المعرفة بالاسم المحدد للهوية، مروراً بالفيض النوري الذي يتحقق خلاله وجودنا، وانتهاء بالمعطيات التي يفرزها تعالى على الموجودات...
إذن: السمات الثلاث المتقدمة تظل تمهيداً آخر لدعاء العهد، حيث سينعكس هذا التمهيد على ظاهرة (ندب شخصية العصر الامام المهدي(ع)، كما سنرى لاحقاً إن شاء الله تعالى، بالاضافة الى ما سنحدثك به عن التوسلات الاخرى المرتبطة بسمات الاماتة والاحياء، وانعكاساتها على موضوع الدعاء، وهو ما نؤجل الحديث عنه الى لقاء لاحق إن شاء الله تعالى.
*******