البث المباشر

فاطمة (ع) في اية المتهجدين في الاسحار

الثلاثاء 1 أكتوبر 2019 - 10:46 بتوقيت طهران

اذاعة طهران - فاطمه في القرآن والسنة: الحلقة 52

 

بسم الله الرّحمن الرّحيم الحمدُ لله حقَّ حمده وأشرف الصّلاة على المصطفى عبده، وعلى آله أنوار هدايته ومجده. إخوتنا الأحبّة الأفاضل السلامُ عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً بكم، في لقاءٍ طيّبٍ آخر معكم، لنجولَ في أفقٍ قرآنيٍّ آخر، يحكي لنا فضيلةً من فضائل أهل البيت أخرى، فقد جاء في سورة الذاريات المباركة هاتان الآيتان الشريفتان، قوله عزّ من قائل في وصفه للمتّقين: "كَانُوا قَلِيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ{۱۷} وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ{۱۸}" هذا، بعد أن قال تبارك وتعالى: "إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ{۱٥} آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ{۱٦}". قيل في بعض بيان ذلك: راضين بما آتاهم الله تعالى قانعين به، وآخذين من الثواب وقد استحقّوه بإحسانهم في الدنيا، وكانوا ينامون في قليلٍ من الليل، أو ينامون من اللّيل نوماً قليلاً.
وفي (مجمع البيان في تفسير القرآن) كتب الشيخُ الطبرسيُّ أعلى اللهُ مقامه: قيل: معناه: قلّ ليلةٌ تمُرّ بهم إلاّ صلّوا فيها، وهو المرويُّ عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام. وفي ظلّ قوله تعالى: "وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ" قال عليه السلام: "كانوا يستغفرون في الوتر سبعين مرّةً في السَّحر". وهذه أيّها الإخوةُ الأعزّة حالات أهل البيت النبويّ الطاهر، فقد روى الشيخُ الكلينيّ في (الكافي) الشريف، أنّ الإمام موسى الكاظم عليه السلام كان إذا رفع رأسه من آخر ركعة الوتر في صلاة الليل قال: "هذا مقامُ من حسناته نعمةٌ منك، وشكره ضعيف، وذنبه عظيم، وليس له إلاّ دفعُك ورحمتُك؛ فإنّك قلت في كتابك المنزل، على نبيّك المرسل (صلّى الله عليه وآله): (كانوا قليلاً من اللّيل ما يهجعون وبالأسحارهُم يستغفرون)، طال هجوعي، وقلَّ قيامي، وهذا السَّحرُ وأنا أستغفرك لذنبي استغفار من لا يجد لنفسه ضرّاً ولا نفعاً، ولا موتاً ولا حياةً ولا نشوراً". ثمّ يخِرُّ ساجداً صلوات الله عليه.
ومن هذا البيان أيّها الإخوة الأعزّة الأكارم إلى الرواية المنيفة، الّتي انضمّت إلى الآية الشريفة، فقد كتب المفسّر الحنفيُّ المذهب، الحافظ الحسكانيّ، في تفسيره المعروف: (شواهد التنزيل، لقواعد التفضيل)، عن الصحابيّ الشهير عبد اللهِ بن عباس أنّه قال في بيانٍ له لقوله تعالى: "كَانُوا قَلِيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ": نزلت الآية في عليّ بن أبي طالب، والحسن والحسين، وفاطمة عليهم السلام. ثمّ قال ابنُ عبّاس: وكان عليٌّ عليه السلام يصلّي ثلثي اللّيل الأخير، وينام الثُلُث الأوّل، فإذا كان السَّحرُ جلسَ في الاستغفار والدعاء، وكان وردهُ في كلِّ ليلةٍ سبعين ركعة، ختم فيها القرآن).
هكذا روى الحاكم الحسكانيّ، وسنده: قال أبو بكر بن مؤمن (بإسناده المذكور)، عن سعيد بن جُبير، عن عبد الله بن عبّاس. فأيُّ فخرٍ أيّها الإخوةُ الأعزّة أسمى من العبوديّة المطلقةِ لله تبارك وتعالى، توحيداً كاملاً في الاعتقاد، وانقطاعاً إليه في العبادة، وهذا لم يتسنَّ إلاّ للنبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم، ولآله الأطهارالأخيار، صلوات الله عليهم ما اختلف اللّيل والنهار. أجل، فهذا البيتُ وحده هو الذي يصدق على أهله أنّهم كانوا قليلاً من اللّيل ما يهجعون، وأنّهم دوماً بالأسحار كانوا يستغفرون. فهُم أهلُ الطاعات المتّصلة، والعبادات المتألّقة، ومنهم سيّدةُ نساء العالمين، الصدّيقة الزهراء فاطمة عليها السلام، التي كان من ألقابها (البتول)، أي من انقطعت إلى اللهِ عزّوجلّ بالعبادة دون فتورٍ أو انفصال، كما انقطعت عن نساء العالمين عفافاً وفضلاً وديناً وحسباً، فلا تضاهيها امرأة في هذا الوجود، فقد خلقها الله جلّ وعلا طاهرةً مطهّرة، وبقيت كذلك، فلم تطرأ عليها أيّةُ علّةٍ من العلل التي تردُ على النساء؛ لذا لم تنقطع يوماً ولا ساعةً عن الصلوات والعبادات، وأشرف التوجّهات.
روى الشيخ المجلسيّ أعلى الله مقامه في الجزء الثالث والأربعين من مؤلّفه القيّم (بحار الأنوار) عن كتاب (علل الشرائع) للشيخ الصدوق رضوان الله عليه بسندٍ ذهبيٍّ فاخر عن الإمام الصادق، عن أبيه الباقر، عن أبيه زين العابدين، عن السيّدة المكرّمة فاطمة الصغرى بنت الحسين، عن سيّد الشهداء أبي عبد الله الحسين، عن أخيه الحسن المجتبى عليه السلام أنّه قال: "رأيت أمّي فاطمة عليها السلام قامت في محرابها ليلة جمعتها، فلم تزل راكعةً ساجدة، حتّى اتّضح عمودُ الصبح، وسمعتها تدعوا للمؤمنين والمؤمنات وتسمّيهم، وتكثر الدعاء لهم، ولا تدعو لنفسها بشيء، فقلتُ لها: يا أمّاه، لم لا تدعين لنفسك، كما تدعين لغيرك؟ فقالت: يا بنيّ، الجار، ثمّ الدار". وهذا شاهدٌ بيّنٌ إخوتنا الأعزّة المؤمنين من عشرات الشواهد ومئاتها في شأن عبادات الصديقة الزهراء فاطمة صلواتُ الله عليها، تحكي عدم هجوعها بالليل، كما تحكي انشغالها وأهل بيتها، بالعبادات والأذكار، والاستغفار بالأسحار، فصلوات عليها وعليهم آناء اللّيل وأطراف النهار.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة